الرئيسية - التفاسير


* تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ رَبِّ ٱشْرَحْ لِي صَدْرِي } * { وَيَسِّرْ لِيۤ أَمْرِي } * { وَٱحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي } * { يَفْقَهُواْ قَوْلِي } * { وَٱجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي } * { هَارُونَ أَخِي } * { ٱشْدُدْ بِهِ أَزْرِي } * { وَأَشْرِكْهُ فِيۤ أَمْرِي } * { كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً } * { وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً } * { إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيراً } * { قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يٰمُوسَىٰ } * { وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَىٰ } * { إِذْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ أُمِّكَ مَا يُوحَىٰ } * { أَنِ ٱقْذِفِيهِ فِي ٱلتَّابُوتِ فَٱقْذِفِيهِ فِي ٱلْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ ٱلْيَمُّ بِٱلسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِيۤ } * { إِذْ تَمْشِيۤ أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ مَن يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَىٰ أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلاَ تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ ٱلْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِيۤ أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَىٰ قَدَرٍ يٰمُوسَىٰ }

{ قَالَ رَبِّ ٱشْرَحْ لِى صَدْرِى وَيَسِّرْ لِى أَمْرِى } لما أمره الله بخطب عظيم وأمر جسيم سأله أن يشرح صدره ويفسح قلبه لتحمل أعبائه والصبر على مشاقه، والتلقي لما ينزل عليه ويسهل الأمر له بإحداث الأسباب ورفع الموانع، وفائدة لي إبهام المشروح والميسر أولاً، ثم رفعه بذكر الصدر والأمر تأكيداً ومبالغة.

{ وَٱحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِى يَفْقَهُواْ قَوْلِي } فإنما يحسن التبليغ من البليغ وكان في لسانه رتة من جمرة أدخلها فاه، وذلك أن فرعون حمله يوماً فأخذ بلحيته ونتفها، فغضب وأمر بقتله فقالت آسية: إنه صبي لا يفرق بين الجمر والياقوت، فأحضرا بين يديه فأخذ الجمرة ووضعها في فيه. ولعل تبييض يده كان لذلك. وقيل احترقت يده فاجتهد فرعون في علاجها فلم تبرأ، ثم لما دعاه قال إلى أي رب تدعوني قال إلى الذي أبرأ يدي وقد عجزت عنه. واختلف في زوال العقدة بكمالها فمن قال به تمسك بقولهقَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يٰمُوسَىٰ } [طه: 36] ومن لم يقل احتج بقولههُوَ أَفْصَحُ مِنّى لِسَاناً } [القصص: 34] وقولهوَلاَ يَكَادُ يُبِينُ } [الزخرف: 52] وأجاب عن الأول بأنه لم يسأل حل عقدة لسانه مطلقاً بل عقدة تمنع الإِفهام ولذلك نكرها وجعل يفقهوا جواب الأمر، ومن لساني يحتمل أن يكون صفة عقدة وأن يكون صلة احلل.

{ وَٱجْعَل لِّّى وَزِيراً مِّنْ أَهْلِى هَـٰرُونَ أَخِى } يعينني على ما كلفتني به، واشتقاق الوزير إما من الوزير لأنه يحمل الثقل عن أميره، أو من الوزر وهو الملجأ لأن الأمير يعتصم برأيه ويلتجىء إليه في أموره، ومنه الموازرة وقيل أصله أزير من الأزر بمعنى القوة، فعيل بمعنى مفاعل كالعشير والجليس قلبت همزته واواً كقلبها في موازر. ومفعولاً اجعل وزيراً، و { هَـٰرُونَ } قدم ثانيهما للعناية به و { لِى } صلة أو حال أو { لّى وَزِيراً } و { هَـٰرُونَ } عطف بيان للوزير، أو { وَزِيراً مّنْ أَهْلِى } و { لِى } تبيين كقوله { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ }. و { أَخِى } على الوجوه بدل من { هَـٰرُونَ } أو مبتدأ خبره.

{ ٱشْدُدْ بِهِ أَزْرِى وَأَشْرِكْهُ فِى أَمْرِى } على لفظ الأمر وقرأهما ابن عامر بلفظ الخبر على أنهما جواب الأمر.

{ كَىْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً } فإن التعاون يهيج الرغبات ويؤدي إلى تكاثر الخير وتزايده.

{ إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيراً } عالماً بأحوالنا وأن التعاون مما يصلحنا، وأن هرون نعم المعين لي فيما أمرتني به.

{ قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يٰمُوسَىٰ } أي مسؤولك، فعل بمعنى مفعول كالخبز والأكل بمعنى المخبوز والمأكول.

{ وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَىٰ } أي أنعمنا عليك في وقت آخر.

{ إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّكَ } بإلهام أو في منام أو على لسان نبي في وقتها أو ملك ـ لا على وجه النبوة ـ كما أوحي إلى مريم.

السابقالتالي
2 3