الرئيسية - التفاسير


* تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذْ رَأَى نَاراً فَقَالَ لأَهْلِهِ ٱمْكُثُوۤاْ إِنِّيۤ آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّيۤ آتِيكُمْ مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى ٱلنَّارِ هُدًى } * { فَلَمَّآ أَتَاهَا نُودِيَ يٰمُوسَىٰ } * { إِنِّيۤ أَنَاْ رَبُّكَ فَٱخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِٱلْوَادِ ٱلْمُقَدَّسِ طُوًى } * { وَأَنَا ٱخْتَرْتُكَ فَٱسْتَمِعْ لِمَا يُوحَىۤ } * { إِنَّنِيۤ أَنَا ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاۤ أَنَاْ فَٱعْبُدْنِي وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ لِذِكْرِيۤ } * { إِنَّ ٱلسَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَىٰ } * { فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَن لاَّ يُؤْمِنُ بِهَا وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَىٰ } * { وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يٰمُوسَىٰ } * { قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَىٰ } * { قَالَ أَلْقِهَا يٰمُوسَىٰ } * { فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَىٰ }

{ إِذْ رَأَى نَاراً } ظرف للـ { حَدِيثُ } لأنه حدث أو مفعول لأذكر. قيل إنه استأذن شعيباً عليهما الصلاة والسلام في الخروج إلى أمه، وخرج بأهله فلما وافى وادي طوى وفيه الطور ولد له ابن في ليلة شاتية مظلمة مثلجة، وكانت ليلة الجمعة وقد ضل الطريق وتفرقت ماشيته إذا رأى من جانب الطور ناراً. { فَقَالَ لأَهْلِهِ ٱمْكُثُواْ } أقيموا مكانكم. وقرأ حمزة «لأهله امكثوا ها هنا»، وفي «القصص» بضم الهاء في الوصل والباقون بكسرها. { إِنّى آنَسْتُ نَاراً } أبصرتها إبصاراً لا شبهة فيه، وقيل الإيناس إبصار ما يؤنس به. { لَّعَلِّي آتِيكُمْ مِّنْهَا بِقَبَسٍ } بشعلة من النار وقيل جمرة. { أَوْ أَجِدُ عَلَى ٱلنَّارِ هُدًى } هادياً يدلني على الطريق أو يهديني أبواب الدين، فإن أفكار الأبرار مائلة إليها في كل ما يعن لهم. ولما كان حصولهما مترتباً بني الأمر فيهما على الرجاء بخلاف الإيناس، فإنه كان محققاً ولذلك حققه لهم ليوطنوا أنفسهم عليه، ومعنى الاستعلاء في { عَلَى ٱلنَّارِ } أن أهلها مشرفون عليها أو مستعلون المكان القريب منها كما قال سيبويه في: مررت بزيد إنه لصوق بمكان يقرب منه.

{ فَلَمَّا أَتَـٰهَا } أي النار وجد ناراً بيضاء تتقد في شجرة خضراء. { نُودِىَ يٰمُوسَىٰ }.

{ إِنّى أَنَاْ رَبُّكَ } فتحه ابن كثير وأبو عمرو أي بأني وكسره الباقون بإضمار القول أو إجراء النداء مجراه، وتكرير الضمير للتوكيد والتحقيق. قيل إنه لما نودي قال: من المتكلم قال: إني أنا الله، فوسوس إليه إبليس لعلك تسمع كلام شيطان فقال: أنا عرفت أنه كلام الله بأني أسمعه من جميع الجهات وبجميع الأعضاء. وهو إشارة إلى أنه عليه الصلاة والسلام تلقى من ربه كلامه تلقياً روحانياً، ثم تمثل ذلك الكلام لبدنه وانتقل إلى الحس المشترك فانتقش به من غير اختصاص بعضو وجهة. { فَٱخْلَعْ نَعْلَيْكَ } أمره بذلك لأن الحفوة تواضع وأدب ولذلك طاف السلف حافين. وقيل لنجاسة نعليه فإنهما كانتا من جلد حمار غير مدبوغ. وقيل معناه فرغ قلبك من الأهل والمال. { إِنَّكَ بِٱلْوَادِ ٱلْمُقَدَّسِ } تعليل للأمر باحترام البقعة والمقدس يحتمل المعنيين. { طُوًى } عطف بيان للوادي ونونه ابن عامر والكوفيون بتأويل المكان. وقيل هو كثني من الطي مصدر لـ { نُودِىَ } أو { ٱلْمُقَدَّسِ } أي: نودي نداءين أو قدس مرتين.

{ وَأَنَا ٱخْتَرْتُكَ } اصطفيتك للنبوة وقرأ حمزة «وإنا اخترناك». { فَٱسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى } للذي يوحى إليك، أو للوحي واللام تحتمل التعلق بكل من الفعلين.

{ إِنَّنِى أَنَا ٱللَّهُ لا إِلَـٰهَ إِلا أَنَاْ فَٱعْبُدْنِى } بدل مما يوحى دال على أنه مقصور على تقرير التوحيد الذي هو منتهى العلم والأمر بالعبادة التي هي كمال العمل. { وَأَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِي } خصها بالذكر وأفردها بالأمر للعلة التي أناط بها إقامتها، وهو تذكر المعبود وشغل القلب واللسان بذكره.

السابقالتالي
2