الرئيسية - التفاسير


* تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ ٱللَّهَ وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُّعْرِضُونَ }

{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَـٰقَ بَنِي إِسْراءيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ ٱللَّهَ } إخبار في معنى النهي كقوله تعالى:وَلاَ يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ } [البقرة: 282] وهو أبلغ من صريح النهي لما فيه من إيهام أن المنهي سارع إلى الانتهاء فهو يخبر عنه ويعضده قراءة: «لا تعبدوا». وعطف { قُولُواْ } عليه فيكون على إرادة القول. وقيل: تقديره أن لا يعبدوا فلما حذف أن رفع كقوله:
>   أَلا أَيّهذا الزاجري أَحضُرَ الوَغَى
وأَنْ أشَهدَ اللذاتِ هَلْ أنتَ مُخلِدي   
ويدل عليه قراءة: «ألا تعبدوا»، فيكون بدلاً عن الميثاق، أو معمولاً له بحذف الجار. وقيل إنه جواب قسم دل عليه المعنى كأنه قال: وحلفناهم لا يعبدون. وقرأ نافع وابن عامر وأبو عمرو وعاصم ويعقوب بالتاء حكاية لما خوطبوا به، والباقون بالياء لأنهم غيب { وَبِٱلْوٰلِدَيْنِ إِحْسَـٰناً } تعلق بمضمر تقديره: وتحسنون، أو أحسنوا { وَذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَالْيَتَـٰمَىٰ وَٱلْمَسَـٰكِينِ } عطف على الوالدين. { وَٱلْيَتَـٰمَىٰ } جمع يتيم كنديم وندامى وهو قليل. ومسكين مفعيل من السكون، كأن الفقر أسكنه { وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنًا } أي قولاً حسناً، وسماه { حَسَنًا } للمبالغة. وقرأ حمزة والكسائي ويعقوب حسناً بفتحتين. وقرىء { حَسَنًا } بضمتين وهو لغة أهل الحجاز، وحسنى على المصدر كبشرى والمراد به ما فيه تخلق وإرشاد { وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ } يريد بهما ما فرض عليهم في ملتهم { ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ } على طريقة الالتفات، ولعل الخطاب مع الموجودين منهم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن قبلهم على التغليب، أي أعرضتم عن الميثاق ورفضتموه { إِلاَّ قَلِيلاً مِنْكُمْ } يريد به من أقام اليهودية على وجهها قبل النسخ، ومن أسلم منهم { وَأَنْتُمْ مُّعْرِضُونَ } قوم عادتكم الإعراض عن الوفاء والطاعة. وأصل الإعراض الذهاب عن المواجهة إلى جهة العرض.