الرئيسية - التفاسير


* تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق


{ تِلْكَ ٱلرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ مِّنْهُمْ مَّن كَلَّمَ ٱللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱلْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا ٱقْتَتَلَ ٱلَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ وَلَـٰكِنِ ٱخْتَلَفُواْ فَمِنْهُمْ مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا ٱقْتَتَلُواْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ }

{ تِلْكَ ٱلرُّسُلُ } إشارة إلى الجماعة المذكورة قصصها في السورة، أو المعلومة للرسول صلى الله عليه وسلم، أو جماعة الرسل واللام للاستغراق. { فَضَّلْنَا بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } بأن خصصناه بمنقبة ليست لغيره. { مّنْهُمْ مَّن كَلَّمَ ٱللَّهُ } تفضيل له، وهو موسى عليه الصلاة والسلام. وقيل: موسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام، كلم الله موسى ليلة الحيرة وفي الطور، ومحمداً عليه الصلاة والسلام ليلة المعراج حين كان قاب قوسين أو أدنى وبينهما بون بعيد، وقرىء { كَلـمَ ٱللَّه } و «كالم الله» بالنصب، فإنه كلم الله كما أن الله كلمه ولذلك قيل كليم الله بمعنى مكالمه. { وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَـٰتٍ } بأن فضله على غيره من وجوه متعددة، أو بمراتب متباعدة. وهو محمد صلى الله عليه وسلم فإنه خصه بالدعوة العامة والحجج المتكاثرة والمعجزات المستمرة، والآيات المتعاقبة بتعاقب الدهر، والفضائل العلمية والعملية الفائتة للحصر. والإبهام لتفخيم شأنه كأنه العلم المتعين لهذا الوصف المستغني عن التعيين. وقيل: إبراهيم عليه السلام خصصه بالخلة التي هي أعلى المراتب. وقيل: إدريس عليه السلام لقوله تعالى:وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً } [مريم: 57] وقيل: أولو العزم من الرسل. { وَآتَيْنَا عِيسَى ابنَ مَرْيَمَ البَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ القُدُسِ } خصه بالتعيين لإفراط اليهود والنصارى في تحقيره وتعظيمه، وجعل معجزاته سبب تفضيله لأنها آيات واضحة ومعجزات عظيمة لم يستجمعها غيره. { وَلَوْ شَاء ٱللَّهُ } أي هدى الناس جميعاً. { مَا ٱقْتَتَلَ ٱلَّذِينَ مِن بَعْدِهِم } من بعد الرسل. { مّن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ ٱلْبَيِّنَـٰتُ } أي المعجزات الواضحة لاختلافهم في الدين، وتضليل بعضهم بعضاً. { وَلَـٰكِنِ ٱخْتَلَفُواْ فَمِنْهُمْ مَّنْ ءامَنَ } بتوفيقه التزام دين الأنبياء تفضلاً. { وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ } لإِعراضه عنه بخذلانه. { وَلَوْ شَاء ٱللَّهُ مَا ٱقْتَتَلُواْ } كرره للتأكيد. { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ } فيوفق من يشاء فضلاً، ويُخذل من يشاء عدلاً. والآية دليل على أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام متفاوتة الأقدام، وأنه يجوز تفضيل بعضهم على بعض، ولكن بقاطع لأن اعتبار الظن فيما يتعلق بالعمل وأن الحوادث بيد الله سبحانه وتعالى تابعة لمشيئته خيراً كان أو شراً إيماناً أو كفراً.