الرئيسية - التفاسير


* تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوۤاْ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ ٱلْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِٱلْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ ٱلْمَالِ قَالَ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي ٱلْعِلْمِ وَٱلْجِسْمِ وَٱللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } * { وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ ٱلتَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَىٰ وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ }

{ وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا } طالوت علم عبري كداود وجعله فعلوتاً من الطول تعسف يدفعه منع صرفه، روي أن نبيهم صلى الله عليه وسلم لما دعا الله أن يملكهم أتى بعصا يقاس بها من يملك عليهم فلم يساوها إلا طالوت { قَالُواْ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ ٱلْمُلْكُ عَلَيْنَا } من أين يكون له ذلك ويستأهل. { وَنَحْنُ أَحَقُّ بِٱلْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مّنَ ٱلْمَالِ } والحال أنا أحق بالملك منه وراثة ومكنة وإنه فقير لا مال له يعتضد به، وإنما قالوا ذلك لأن طالوت كان فقيراً رَاعياً أو سقاء أو دباغاً من أولاد بنيامين ولم تكن فيهم النبوة والملك، وإنما كانت النبوة في أولاد لاوى بن يعقوب والملك في أولاد يهوذا وكان فيهم من السبطين خلق. { قَالَ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَـٰهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي ٱلْعِلْمِ وَٱلْجِسْمِ وَٱللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاء وَٱللَّهُ وٰسِعٌ عَلِيمٌ } لما استبعدوا تملكه لفقره وسقوط نسبه رد عليهم ذلك. أولاً بأن العمدة فيه اصطفاه الله سبحانه وتعالى وقد اختاره عليكم وهو أعلم بالمصالح منكم، وثانياً بأن الشرط فيه وفور العلم ليتمكن به من معرفة الأمور السياسية، وجسامة البدن ليكون أعظم خطراً في القلوب، وأقوى على مقاومة العدو ومكابدة الحروب، لا ما ذكرتم. وقد زاده الله فيهما وكان الرجل القائم يمد يده فينال رأسه، وثالثاً بأن الله تعالى مالك الملك على الإطلاق فله أن يؤتيه من يشاء، ورابعاً أنه واسع الفضل يوسع على الفقير ويغنيه عليم بمن يليق بالملك من النسيب وغيره. { وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ } لما طلبوا منه حجة على أنه سبحانه وتعالى اصطفى طالوت وملكه عليهم. { إِنَّ ءايَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ } الصندوق فعلوت من التوب، وهو الرجوع فإنه لا يزال يرجع إلى ما يخرج منه، وليس بفاعول لقلة نحو سلس وقلق، ومن قرأه بالهاء فلعله أبدله منه كما أبدل من تاء التأنيث لاشتراكهما في الهمس والزيادة، ويريد به صندوق التوراة وكان من خشب الشمشاد مموهاً بالذهب نحواً من ثلاثة أذرع في ذراعين. { فِيهِ سَكِينَةٌ مّن رَّبّكُمْ } الضمير للإِتيان أي في إتيانه سكون لكم وطمأنينة، أو للتابوت أي مودع فيه ما تسكنون إليه وهو التوراة. وكان موسى عليه الصلاة والسلام إِذا قاتل قدمه فتسكن نفوس بني إسرائيل ولا يفرون. وقيل صورة كانت فيه من زبرجد أو ياقوت لها رأس وذنب كرأس الهرة وذنبها وجناحان فتئن فيزف التابوت نحو العدو وهم يتبعونه فإذا استقر ثبتوا وسكنوا ونزل النصر. وقيل صورة الأنبياء من آدم إلى محمد عليهم الصلاة والسلام. وقيل التابوت هو القلب والسكينة ما فيه من العلم والإخلاص وإتيانه مصير قلبه مقراً للعلم والوقار بعد أن لم يكن.

السابقالتالي
2