الرئيسية - التفاسير


* تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ ٱلرَّضَاعَةَ وَعلَى ٱلْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى ٱلْوَارِثِ مِثْلُ ذٰلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُوۤاْ أَوْلاَدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّآ آتَيْتُم بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }

{ وَٱلْوٰلِدٰتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَـٰدَهُنَّ } أمر عبر عنه بالخبر للمبالغة ومعناه الندب، أو الوجوب فيخص بما إذا لم يرتضع الصبي إلا من أمه أو لم يوجد له ظئر، أو عجز الوالد عن الاستئجار. والوالدات يعم المطلقات وغيرهن. وقيل يختص بهن إذ الكلام فيهن. { حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ } أكده بصفة الكمال لأنه مما يتسامح فيه. { لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ ٱلرَّضَاعَةَ } بيان للمتوجه إليه الحكم أي ذلك لمن أراد إتمام الرضاعة، أو متعلق بيرضعن فإن الأب يجب عليه الإرضاع كالنفقة، والأم ترضع له. وهو دليل على أن أقصى مدة الإرضاع حولان ولا عبرة به بعدهما وأنه يجوز أن ينقص عنه. { وَعلَى ٱلْمَوْلُودِ لَهُ } أي الذي يولد له يعني الوالد، فإن الولد يولد له وينسب إليه. وتغيير العبارة للإِشارة إلى المعنى المقتضى لوجوب الإِرضاع ومؤن المرضعة عليه. { رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ } أجرة لهن، واختلف في استئجار الأم، فجوزه الشافعي، ومنعه أبو حنيفة رحمه الله تعالى ما دامت زوجة أو معتدة نكاح. { بِٱلْمَعْرُوفِ } حسب ما يراه الحاكم ويفي به وسعه. { لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا } تعليل لإِيجاب المؤن والتقييد بالمعروف، ودليل على أنه سبحانه وتعالى لا يكلف العبد بما لا يطيقه وذلك لا يمنع إمكانه. { لاَ تُضَارَّ وٰلِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ } تفصيل له وتقرير، أي لا يكلف كل واحد منهما الآخر ما ليس في وسعه، ولا يضاره بسبب الولد. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب { لاَ تُضَار } بالرفع بدلاً من قوله { لاَ تُكَلَّفُ } ، وأصله على القراءتين تضارر بالكسر على البناء للفاعل أو الفتح على البناء للمفعول، وعلى الوجه الأول يجوز أن يكون بمعنى تضر والباء من صلته أي لا يضر الوالدان بالولد فيفرط في تعهده ويقصر فيما ينبغي له. وقرىء { لاَ تُضَار } بالسكون مع التشديد على نية الوقف وبه مع التخفيف على أنه من ضاره يضيره، وإضافة الولد إليها تارة وإليه أخرى استعطاف لهما عليه، وتنبيه على أنه حقيق بأن يتفقا على استصلاحه والإِشفاق فلا ينبغي أن يضرا به، أو أن يتضارا بسببه. { وَعَلَى ٱلْوَارِثِ مِثْلُ ذٰلِكَ } عطف على قوله وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن، وما بينهما تعليل معترض. والمراد بالوارث وارث الأب وهو الصبي أي مؤن المرضعة من ماله إذا مات الأب. وقيل الباقي من الأبوين من قوله عليه الصلاة والسلام " واجعله الوارث منا " وكلا القولين يوافق مذهب الشافعي رحمه الله تعالى إذ لا نفقة عنده فيما عدا الولادة. وقيل وارث الطفل وإليه ذهب ابن أبي ليلى. وقيل وارثه المحرم منه، وهو مذهب أبي حنيفة. وقيل عصابته وبه قال أبو زيد وذلك إشارة إلى ما وجب على الأب من الرزق والكسوة.

السابقالتالي
2