الرئيسية - التفاسير


* تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق


{ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىٰ تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَآ أَن يَتَرَاجَعَآ إِن ظَنَّآ أَن يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ }

{ فَإِن طَلَّقَهَا } فإن تعقيبه للخلع بعد ذكر الطلقتين يقتضي أن يكون طلقة رابعة لو كان الخلع طلاقاً. والأظهر أنه طلاق لأنه فرقة باختيار الزوج فهو كالطلاق بالعوض، وقوله فإن طلقها متعلق بقوله: { ٱلطَّلَـٰقُ مَرَّتَانِ } أو تفسير لقوله: { أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَـٰنٍ } اعترض بينهما ذكر الخلع دلالة على أن الطلاق يقع مجاناً تارة وبعوض أخرى، والمعنى فإن طلقها بعد الثنتين. { فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ } من بعد ذلك الطلاق. { حَتَّىٰ تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ } حتى تتزوج غيره، والنكاح يستند إلى كل منهما كالتزوج، وتعلق بظاهره من اقتصر على العقد كابن المسيب واتفق الجمهور على أنه لا بد من الإصابة لما روي: أن امرأة رفاعة قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن رفاعة طلقني فبت طلاقي، وإن عبد الرحمن بن الزبير تزوجني وإن ما معه مثل هدبة الثوب. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ قالت: نعم، قال: لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك " فالآية مطلقة قيدتها السنة، ويحتمل أن يفسر النكاح بالإصابة، ويكون العقد مستفاداً من لفظ الزوج. والحكمة في هذا الحكم الردع عن التسرع إلى الطلاق والعود إلى المطلقة ثلاثاً والرغبة فيها، والنكاح بشرط التحليل فاسد عند الأكثر. وجوزه أبو حنيفة مع الكراهة، وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلل له. { فَإِن طَلَّقَهَا } الزوج الثاني { فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا } أن يرجع كل من المرأة والزوج الأول إلى الآخر بالزواج، { إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ } إن كان في ظنهما أنهما يقيمان ما حدده الله وشرعه من حقوق الزوجية، وتفسير الظن بالعلم ههنا غير سديد لأن عواقب الأمور غيب تظن ولا تعلم، ولأنه لا يقال علمت أن يقوم زيد لأن أن الناصبة للتوقع وهو ينافي العلم. { وَتِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ } أي الأحكام المذكورة. { يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } يفهمون ويعلمون بمقتضى العلم.