الرئيسية - التفاسير


* تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق


{ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَآ أَنْفَقْتُمْ مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَٱلأَقْرَبِينَ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ } * { كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } * { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ ٱللَّهِ وَٱلْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ ٱلْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِن اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلـٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَأُوْلـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }

{ يَسْـئَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ } عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما (أن عمرو بن الجموح الأنصاري كان شيخاً ذا مال عظيم، فقال يا رسول الله ماذا ننفق من أموالنا وأين نضعها فنزلت) { قُلْ مَا أَنفَقْتُم مّنْ خَيْرٍ فَلِلْوٰلِدَيْنِ وَٱلأَقْرَبِينَ وَٱلْيَتَـٰمَىٰ وَٱلْمَسَـٰكِينَ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ } سئل عن المنفق فأجيب ببيان المصرف لأنه أهم فإن اعتداد النّفقة باعتباره، ولأنه كان في سؤال عمرو وإن لم يكن مذكوراً في الآية، واقتصر في بيان المنفق على ما تضمنه قوله ما أنفقتم من خير. { وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ } في معنى الشرط. { فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ } جوابه أي إن تفعلوا خيراً فإن الله يعلم كنهه ويوفي ثوابه، وليس في الآية ما ينافيه فرض الزكاة لينسخ به.

{ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ } شاق عليكم مكروه طبعاً، وهو مصدر نعت به للمبالغة، أو فعل بمعنى مفعول كالخبز. وقرىء بالفتح على أنه لغة فيه كالضعف والضعف، أو بمعنى الإِكراه على المجاز كأنهم أكرهوا عليه لشدته وعظم مشقته كقوله تعالى:حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً } [الأحقاف: 15] { وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ } وهو جميع ما كلفوا به، فإن الطبع يكرهه وهو مناط صلاحهم وسبب فلاحهم. { وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ } وهو جميع ما نهوا عنه، فإن النفس تحبه وتهواه وهو يفضي بها إلى الردى، وإنما ذكر { عَسَى } لأن النفس إذا ارتاضت ينعكس الأمر عليها. { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ } ما هو خير لكم. { وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } ذلك، وفيه دليل على أن الأحكام تتبع المصالح الراجحة وإن لم يعرف عينها { يَسْـئَلُونَكَ عَنِ ٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ } روي (أنه عليه الصلاة والسلام بعث عبد الله بن جحش ابن عمته على سرية في جمادى الآخرة ـ قبل بدر بشهرين ـ ليترصّد عيراً لقريش فيها عمرو بن عبد الله الخضرمي وثلاثة معه، فقتلوه وأسروا اثنين واستاقوا العير وفيها من تجارة الطائف، وكان ذلك غرة رجب وهم يظنونه من جمادى الآخرة، فقالت قريش: استحل محمد الشهر الحرام شهراً يأمن فيه الخائف، وينذعر فيه الناس إلى معايشهم. وشق ذلك على أصحاب السرية وقالوا ما نبرح حتى تنزل توبتنا، ورد رسول الله صلى الله عليه وسلم العير والأسارى). وعن ابن عباس رضي الله عنهما (لما نزلت أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الغنيمة وهي أول غنيمة في الإسلام) والسائلون هم المشركون كتبوا إليه في ذلك تشنيعاً وتعييراً وقيل أصحاب السرية. { قِتَال فِيهِ } بدل اشتمال من الشهر الحرام. وقرىء «عن قتال» بتكرير العامل. { قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ } أي ذنب كبير، والأكثر أنه منسوخ بقوله تعالى:فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } [التوبة: 5] خلافاً لعطاء وهو نسخ الخاص بالعام وفيه خلاف، والأولى منع دلالة الآية على حرمة القتال في الشهر الحرام مطلقاً فإن قتال فيه نكرة في حيز مثبت فلا يعم.

السابقالتالي
2