الرئيسية - التفاسير


* تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَنْفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى ٱلتَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ } * { وَأَتِمُّواْ ٱلْحَجَّ وَٱلْعُمْرَةَ للَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلْهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّىٰ يَبْلُغَ ٱلْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَآ أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِٱلْعُمْرَةِ إِلَى ٱلْحَجِّ فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي ٱلْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذٰلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } * { ٱلْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ ٱلْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي ٱلْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ ٱللَّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقْوَىٰ وَٱتَّقُونِ يٰأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } * { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ فَإِذَآ أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَٰتٍ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ عِندَ ٱلْمَشْعَرِ ٱلْحَرَامِ وَٱذْكُرُوهُ كَمَا هَدَٰكُمْ وَإِن كُنْتُمْ مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ ٱلضَّآلِّينَ } * { ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ ٱلنَّاسُ وَٱسْتَغْفِرُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

{ وَأَنفِقُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ } ولا تمسكوا كل الإِمساك. { وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى ٱلتَّهْلُكَةِ } بالإسراف وتضييع وجه المعاش، أو بالكف عن الغزو والإِنفاق فيه، فإن ذلك يقوي العدو ويسلطهم على إهلاكهم. ويؤيده ما روي عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أنه قال: لما أعز الله الإسلام وكثر أهله رجعنا إلى أهالينا وأموالنا نقيم فيها ونصلحها فنزلت، أو بالإمساك وحب المال فإنه يؤدي إلى الهلاك المؤبد، ولذلك سمي البخل هلاكاً وهو في الأصل انتهاء الشيء في الفساد، والإِلقاء: طرح الشيء، وعدى بإلى لتضمن معنى الانتهاء، والباء مزيدة والمراد بالأيدي الأنفس، والتهلكة والهلاك والهلك واحد فهي مصدر كالتضرة والتسرة، أي لا توقعوا أنفسكم في الهلاك وقيل: معناه لا تجعلوها آخذة بأيديكم، أو لا تلقوا بأيديكم أنفسكم إليها فحذف المفعول. { وَأَحْسِنُواْ } أعمالكم وأخلاقكم، أو تفضلوا على المحاويج. { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ } { وَأَتِمُّوا الحَجَّ والعُمْرَةَ لله } أي ائتوا بهما تامين مستجمعي المناسك لوجه الله تعالى، وهو على هذا يدل على وجوبهما ويؤيده قراءة من قرأ { وَأَقِيمُواْ ٱلْحَجَّ وَٱلْعُمْرَةَ لِلَّهِ } ، وما روى جابر رضي الله تعالى عنه «أنه قيل يا رسول الله العمرة واجبة مثل الحج، فقال: " لا ولكن إن تعتمر خير لك " فمعارض بما روي «أن رجلاً قال لعمر رضي الله تعالى عنه، إني وجدت الحج والعمرة مكتوبين عليَّ أهللت بهما جميعاً، فقال: هديت لسنة نبيك» ولا يقال إنه فسر وجد أنهما مكتوبين بقوله أهللت بهما فجاز أن يكون الوجوب بسبب إهلاله بهما، لأنه رتب الإِهلال على الوجدان وذلك يدل على أنه سبب الإِهلال دون العكس. وقيل إتمامهما أن تحرم بهما من دويرة أهلك، أو أن تفرد لكل منهما سفراً، أو أن تجرده لهما لا تشوبهما بغرض دنيوي، أو أن تكون النفقة حلالاً. { فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ } منعتم، يقال حصره العدو وأحصره إذا حبسه ومنعه عن المضي، مثل صده وأصده، والمراد حصر العدو عند مالك والشافعي رحمهما الله تعالى لقوله تعالى: { فَإِذَا أَمِنتُمْ } ولنزوله في الحديبية، ولقول ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: لا حصر إلا حصر العدو وكل منع من عدو أو مرض أو غيرهما عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى، لما روي عنه عليه الصلاة والسلام " من كسر أو عرج فقد حل فعليه الحج من قابل " وهو ضعيف مؤول بما إذا شرط الإِحلال به لقوله عليه الصلاة والسلام لضباعة بنت الزبير " حجي واشترطي وقولي: اللهم محلي حيث حبستني " { فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلْهَدْيِ } فعليكم ما استيسر، أو فالواجب ما استيسر. أو فاهدوا ما استيسر. والمعنى إن أحصر المحرم وأراد أن يتحلل تحلل بذبح هدي تيسر عليه، من بدنة أو بقرة أو شاة حيث أحصر عند الأكثر.

السابقالتالي
2 3 4 5