الرئيسية - التفاسير


* تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ } * { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ ٱلصِّيَامِ ٱلرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَٱلآنَ بَٰشِرُوهُنَّ وَٱبْتَغُواْ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلْخَيْطُ ٱلأَبْيَضُ مِنَ ٱلْخَيْطِ ٱلأَسْوَدِ مِنَ ٱلْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ ٱلصِّيَامَ إِلَى ٱلَّليْلِ وَلاَ تُبَٰشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَٰكِفُونَ فِي ٱلْمَسَٰجِدِ تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ ءَايَٰتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ }

{ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنّي فَإِنّي قَرِيبٌ } أي فقل لهم إني قريب، وهو تمثيل لكمال علمه بأفعال العباد وأقوالهم واطلاعه على أحوالهم بحال من قرب مكانه منهم، روي: أن أعرابياً قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه فنزلت { أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ } تقرير للقرب. ووعد للداعي بالإجابة. { فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي } إذا دعوتهم للإيمان والطاعة كما أجيبهم إذا دعوني لمهماتهم { وَلْيُؤْمِنُواْ بِي } أمر بالثبات والمداومة عليه. { لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ } راجين إصابة الرشد وهو إصابة الحق. وقرىء بفتح الشين وكسرها. واعلم أنه تعالى لما أمرهم بصوم الشهر ومراعاة العدة، وحثهم على القيام بوظائف التكبير والشكر، عقبه بهذه الآية الدالة على أنه تعالى خبير بأحوالهم، سميع لأقوالهم مجيب لدعائهم، مجازيهم على أعمالهم تأكيداً له وحثاً عليه، ثم بين أحكام الصوم فقال: { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ ٱلصّيَامِ ٱلرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُمْ } روي أن المسلمين كانوا إذا أمسوا حل لهم الأكل والشرب والجماع إلى أن يصلوا العشاء الآخرة أو يرقدوا، ثم: إن عمر رضي الله عنه باشر بعد العشاء فندم وأتى النبي صلى الله عليه وسلم واعتذر إليه، فقام رجال واعترفوا بما صنعوا بعد العشاء فنزلت وليلة الصيام: الليلة التي تصبح منها صائماً، والرفث: كناية عن الجماع، لأنه لا يكاد يخلو من رفث وهو الإفصاح بما يجب أن يكنى عنه، وعدي بإلى لتضمنه معنى الإفضاء، وإيثاره ههنا لتقبيح ما ارتكبوه ولذلك سماه خيانة. وقرىء الرفوث { هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ } استئناف يبين سبب الإِحلال وهو قلة الصبر عنهن، وصعوبة اجتنابهن لكثرة المخالطة وشدة الملابسة، ولما كان الرجل والمرأة يعتنقان ويشتمل كل منهما على صاحبه شبه باللباس قال الجعدي:
إِذَا مَا الضجِيعُ ثَنَّى عِطْفَهَا   تَثَنَّتْ فَكَانَتْ عَلَيْهِ لِبَاسَا
أو لأن كل واحد منهما يستر حال صاحبه ويمنعه من الفجور. { عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ } تظلمونها بتعريضها للعقاب، وتنقيص حظها من الثواب، والاختيان أبلغ من الخيانة كالاكتساب من الكسب. { فَتَابَ عَلَيْكُمْ } لما تبتم مما اقترفتموه. { وَعَفَا عَنكُمْ } ومحا عنكم أثره. { فَٱلـنَ بَـٰشِرُوهُنَّ } لما نسخ عنكم التحريم وفيه دليل على جواز نسخ السنة بالقرآن، والمباشرة: إلزاق البشرة بالبشرة كني به عن الجماع. { وَٱبْتَغُواْ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمْ } واطلبوا ما قدره لكم وأثبته في اللوح المحفوظ من الولد، والمعنى أن المباشر ينبغي أن يكون غرضه الولد فإنه الحكمة من خلق الشهوة. وشرع النكاح لاقضاء الوطر، وقيل النهي عن العزل، وقيل عن غير المأتي. والتقدير وابتغوا المحل الذي كتب الله لكم. { وَكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلْخَيْطُ ٱلأَبْيَضُ مِنَ ٱلْخَيْطِ ٱلأَسْوَدِ مِنَ ٱلْفَجْرِ } شبه أول ما يبدو من الفجر المعترض في الأفق وما يمتد معه من غبش الليل، بخيطين أبيض وأسود، واكتفى ببيان الخيط الأبيض بقوله { مِنَ ٱلْفَجْرِ } عن بيان { ٱلْخَيْطِ ٱلأَسْوَدِ } ، لدلالته عليه.

السابقالتالي
2