الرئيسية - التفاسير


* تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق


{ ذَلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ نَزَّلَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُواْ فِي ٱلْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ } * { لَّيْسَ ٱلْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ وَٱلْكِتَابِ وَٱلنَّبِيِّينَ وَآتَى ٱلْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينَ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ وَٱلسَّآئِلِينَ وَفِي ٱلرِّقَابِ وَأَقَامَ ٱلصَّلاةَ وَآتَى ٱلزَّكَاةَ وَٱلْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَٱلصَّابِرِينَ فِي ٱلْبَأْسَآءِ وٱلضَّرَّآءِ وَحِينَ ٱلْبَأْسِ أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُتَّقُونَ }

{ ذٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ نَزَّلَ ٱلْكِتَـٰبَ بِٱلْحَقّ } أي ذلك العذاب بسبب أن الله نزل الكتاب بالحق فرفضوه بالتكذيب أو الكتمان. { وَإِنَّ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُواْ فِي ٱلْكِتَـٰبِ } اللام فيه إما للجنس، واختلافهم إيمانهم ببعض كتب الله تعالى وكفرهم ببعض. أو للعهد، والإِشارة إما إلى التوراة، واختلفوا بمعنى تخلفوا عن المنهج المستقيم في تأويلها، أو خلفوا خلال ما أنزل الله تعالى مكانه، أي حرفوا ما فيها. وإما إلى القرآن واختلافهم فيه قولهم سحر، وَتَقوَّلَ، وكلام علمه بشر، وأساطير الأولين. { لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ } لفي خلاف بعيد عن الحق.

{ لَّيْسَ ٱلْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ } { ٱلْبَرّ }: كل فعل مرضٍ، والخطاب لأهل الكتاب فإنهم أكثروا الخوض في أمر القبلة حين حولت، وادعى كل طائفة أن البر هو التوجه إلى قبلته، فرد الله تعالى عليهم وقال: ليس البر ما أنتم عليه فإنه منسوخ، ولكن البر ما بينه الله واتبعه المؤمنون. وقيل عام لهم وللمسلمين، أي ليس البر مقصوراً بأمر القبلة، أو ليس البر العظيم الذي يحسن أن تذهلوا بشأنه عن غيره أمرها، وقرأ حمزة وحفص { ٱلْبَرّ } بالنصب { وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنْ ءامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَٱلْمَلَـئِكَةِ وَٱلْكِتَـٰبِ وَٱلنَّبِيّينَ } أي ولكن البر الذي ينبغي أن يهتم به بر من آمن بالله، أو لكن ذا البر من آمن، ويؤيده قراءة من قرأ ولكن «البار». والأول أوفق وأحسن. والمراد بالكتاب الجنس، أو القرآن. وقرأ نافع وابن عامر { وَلَـٰكِنِ } بالتخفيف ورفع { ٱلْبَرّ }. { وَآتَى المَالَ عَلى حُبِّهِ } أي على حب المال، قال عليه الصلاة والسلام لما سئل أي الصدقة أفضل قال: " أن تؤتيه وأنت صحيح شحيح تأمل العيش، وتخشى الفقر " وقيل الضمير لله، أو للمصدر. والجار والمجرور في موضع الحال. { ذَوِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَـٰمَىٰ } يريد المحاويج منهم، ولم يقيد لعدم الالتباس. وقدم ذوي القربى لأن إيتاءهم أفضل كما قال عليه الصلاة والسلام: " صدقتك على المسكين صدقة وعلى ذوي رحمك اثنتان، صدقة وصلة " { وَٱلْمَسَـٰكِينُ } جمع المسكين وهو الذي أسكنته الخلة، وأصله دائم السكون كالمسكير للدائم السكر. { وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ } المسافر، سمي به لملازمته السبيل كما سمي القاطع ابن الطريق. وقيل الضيف لأن السبيل يرعف به. { وَٱلسَّائِلِينَ } الذين ألجأتهم الحاجة إلى السؤال، وقال عليه السلام: " للسائل حق وإن جاء على فرسه " { وَفِي ٱلرّقَابِ } وفي تخليصها بمعاونة المكاتبين، أو فك الأساري، أو ابتياع الرقاب لعتقها. { وأَقامَ الصَّلاةَ } المفروضة. { وَآتَى الزَّكَاةَ } يحتمل أن يكون المقصود منه ومن قوله: { وَآتَى المَالَ } الزكاة المفروضة، ولكن الغرض من الأول ببيان مصارفها، ومن الثاني أداؤها والحث عليها. ويحتمل أن يكون المراد بالأول نوافل الصدقات أو حقوقاً كانت في المال سوى الزكاة.