الرئيسية - التفاسير


* تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً للَّهِ وَلَوْ يَرَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ إِذْ يَرَوْنَ ٱلْعَذَابَ أَنَّ ٱلْقُوَّةَ للَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعَذَابِ }

{ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَندَادًا } من الأصنام. وقيل من الرؤساء الذين كانوا يطيعونهم لقوله تعالى:إِذْ تَبَرَّأَ ٱلَّذِينَ ٱتُّبِعُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُواْ } [البقرة: 166] ولعل المراد أعم منهما وهو ما يشغله عن الله { يُحِبُّونَهُمْ } يعظمونهم ويطيعونهم { كَحُبّ ٱللَّهِ } كتعظيمه والميل إلى طاعته، أي يسوون بينه وبينهم في المحبة والطاعة، والمحبة: ميل القلب من الحب، استعير لحبة القلب، ثم اشتق منه الحب لأنه أصابها ورسخ فيها، ومحبة العبد لله تعالى إرادة طاعته والإِعتناء بتحصيل مراضيه، ومحبة الله للعبد إرادة إكرامه واستعماله في الطاعة، وصونه عن المعاصي. { وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ } لأنه لا تنقطع محبتهم لله تعالى، بخلاف محبة الأنداد فإنها لأغراض فاسدة موهومة تزول بأدنى سبب، ولذلك كانوا يعدلون عن آلهتهم إلى الله تعالى عند الشدائد، ويعبدون الصنم زماناً ثم يرفضونه إلى غيره.

{ وَلَوْ يَرَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } ولو يعلم هؤلاء الذين ظلموا باتخاذ الأنداد { إِذْ يَرَوْنَ ٱلْعَذَابَ } إِذ عاينوه يوم القيامة. وأجرى المستقبل مجرى الماضي لتحققه كقوله تعالى:وَنَادَى أَصْحَـٰبُ ٱلْجَنَّةِ } [الأعراف: 44] { أَنَّ ٱلْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا } ساد مسد مفعولي { يَرَىٰ } ، وجواب { لَوْ } محذوف. أي لو يعلمون أن القوة لله جميعاً إِذا عاينوا العذاب لندموا أشد الندم. وقيل هو متعلق الجواب والمفعولان محذوفان، والتقدير: ولو يرى الذين ظلموا أندادهم لا تنفع، لعلموا أن القوة لله كلها لا ينفع ولا يضر غيره. وقرأ ابن عامر ونافع ويعقوب: و «لو ترى» على أنه خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، أي ولو ترى ذلك لرأيت أمراً عظيماً، وابن عامر: { إِذْ يَرَوْنَ } على البناء للمفعول، ويعقوب { إنٍ } بالكسر وكذا { وَأَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعَذَابِ } على الاستئناف، أو إضمار القول.