الرئيسية - التفاسير


* تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَٱخْشَوْنِي وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }

{ وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَحَيثُمَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ } كرر هذا الحكم لتعدد علله، فإنه تعالى ذكر للتحويل ثلاث علل. تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم بابتغاء مرضاته، وجري العادة الإِلهية على أن يولي أهل كل ملة وصاحب دعوة وجهة يستقبلها ويتميز بها. ودفع حجج المخالفين على ما نبينه. وقرن بكل علة معلولها كما يقرن المدلول بكل واحد من دلائله تقريباً وتقريراً، مع أن القبلة لها شأن. والنسخ من مظان الفتنة والشبهة فبالحري أن يؤكد أمرها ويعاد ذكرها مرة بعد أخرى. { لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ } علة لقوله { فَوَلُّواْ } ، والمعنى أن التولية عن الصخرة إلى الكعبة تدفع احتجاج اليهود بأن المنعوت في التوراة قبلته الكعبة، وأن محمداً يجحد ديننا ويتبعنا في قبلتنا. والمشركين بأنه يدعي ملة إبراهيم ويخالف قبلته { إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ } استثناء من الناس، أي لئلا يكون لأحد من الناس حجة إلا المعاندين منهم بأَنهم يقولون، ما تحول إلى الكعبة إلا ميلاً إلى دين قومه وحباً لبلده، أو بدا له فرجع إلى قبلة آبائه ويوشك أن يرجع إلى دينهم. وسمى هذه حجة كقوله تعالى:حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِندَ رَبّهِمْ } [الشورى: 16] لأنهم يسوقونها مساقها. وقيل الحجة بمعنى الاحتجاج. وقيل الاستثناء للمبالغة في نفي الحجة رأساً كقوله:
وَلاَ عَيْبَ فِيهمْ غَيْرَ أَنَّ سُيوفَهُم   بِهِنَّ فُلولٌ مِنْ قِراعِ الكَتَائِبِ
للعلم بأن الظالم لا حجة له، وقرىء: { إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ. على أنه استئناف بحرف التنبيه. { فَلاَ تَخْشَوْهُمْ } فلا تخافوهم، فإن مَطَاعِنِهم لا تضركم. { وَٱخْشَوْنِى } فلا تخالفوا ما أمرتكم به. { وَلأُتِمَّ نِعْمَتِى عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } علة محذوف أي وأمرتكم لإِتمامي النعمة عليكم وإرادتي اهتدائكم، أو عطف على علة مقدرة مثل: واخشوني لأحفظكم منهم ولأُتم نعمتي عليكم، أو لئلا يكون وفي الحديث «تمام النعمة دخول الجنة». وعن علي رضي الله تعالى عنه: «تمام النعمة الموت على الإِسلام».