الرئيسية - التفاسير


* تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ جَعَلْنَا ٱلْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَٱتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَآ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَٱلْعَاكِفِينَ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ }

{ وَإِذْ جَعَلْنَا ٱلْبَيْتَ } أي الكعبة، غلب عليها كالنجم على الثريا. { مَثَابَةً لّلنَّاسِ } مرجعاً يثوب إليه أعيان الزوار أو أمثالهم، أو موضع ثواب يثابون بحجه واعتماره. وقرىء: «مثابات» أي لأنه مثابة كل أحد. { وَأَمْناً } وموضع أمن لا يتعرض لأهله كقوله تعالى:حَرَماً ءامِناً } [القصص: 57] ويتخطف الناس من حولهم، أو يأمن حاجَّهُ من عذاب الآخرة من حيث إن الحج يجب ما قبله، أولاً يؤاخذ الجاني الملتجىء إليه حتى يخرج، وهو مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه. { وَٱتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرٰهِيمَ مُصَلًّى } على إرادة القول، أو عطف على المقدر عاملاً لإذ، أو اعتراض معطوف على مضمر تقديره توبوا إليه واتخذوا، على أن الخطاب لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، وهو أمر استحباب، ومقام إبراهيم هو الحجر الذي فيه أثر قدمه، أو الموضع الذي كان فيه الحجر حين قام عليه ودعا الناس إلى الحج، أو رفع بناء البيت وهو موضعه اليوم. روي أنه عليه الصلاة والسلام أخذ بيد عمر رضي الله تعالى عنه وقال: " هذا مقام إبراهيم، فقال عمر: أفلا نتخذه مصلى، فقال: لم أومر بذلك، فلم تغب الشمس حتى نزلت " وقيل: المراد به الأمر بركعتي الطواف، لما روى جابر أنه عليه الصلاة والسلام: لما فرغ من طوافه عمد إلى مقام إبراهيم فصلى خلفه ركعتين وقرأ: { وَٱتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرٰهِيمَ مُصَلًّى } وللشافعي رحمه الله تعالى في وجوبهما قولان. وقيل: مقام إبراهيم الحرم كله. وقيل: مواقف الحج واتخاذها مصلى أن يدعى فيها، ويتقرب إلى الله تعالى. وقرأ نافع وابن عامر { وَٱتَّخَذُواْ } بلفظ الماضي عطفاً على { جَعَلْنَا } ، أي: واتخذوا الناس مقامه الموسوم به، يعني الكعبة قبلة يصلون إليها. { وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرٰهِيمَ وَإِسْمَـٰعِيلَ } أمرناهما. { أَن طَهّرَا بَيْتِيَ } ويجوز أن تكون أن مفسرة لتضمن العهد معنى القول، يريد طهراه من الأوثان والأنجاس وما لا يليق به، أو أخلصاه. { لِلطَّائِفِينَ } حوله. { وَٱلْعَـٰكِفِينَ } المقيمين عنده، أو المعتكفين فيه { وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ }. أي المصلين، جمع راكع وساجد.