الرئيسية - التفاسير


* تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَزِيدُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ٱهْتَدَواْ هُدًى وَٱلْبَاقِيَاتُ ٱلصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ مَّرَدّاً } * { أَفَرَأَيْتَ ٱلَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً } * { أَطَّلَعَ ٱلْغَيْبَ أَمِ ٱتَّخَذَ عِندَ ٱلرَّحْمَـٰنِ عَهْداً } * { كَلاَّ سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ ٱلْعَذَابِ مَدّاً } * { وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْداً }

{ وَيَزِيدُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ٱهْتَدَواْ هُدًى } عطف على الشرطية المحكية بعد القول كأنه لما بين أن إمهال الكافر وتمتيعه بالحياة الدنيا ليس لفضله، أراد أن يبين أن قصور حظ المؤمن منها ليس لنقصه بل لأن الله عز وجل أراد به ما هو خير له وعوضه منه، وقيل عطف على فليمدد لأنه في معنى الخبر كأنه قيل من كان في الضلالة يزيد الله في ضلاله ويزيد المقابل له هداية. { وَٱلْبَـٰقِيَاتُ ٱلصَّـٰلِحَاتُ } الطاعات التي تبقى عائدتها أبد الآباد، ويدخل فيها ما قيل من الصلوات الخمس وقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر. { خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا } عائدة مما متع به الكفرة من النعم المخدجة الفانية التي يفتخرون بها سيما ومآلها النعيم المقيم ومآل هذه الحسرة والعذاب الدائم كما أشار إليه بقوله: { وَخَيْرٌ مَّرَدّاً } والخير ها هنا إما لمجرد الزيادة أو على طريقة قولهم الصيف أحر من الشتاء، أي أبلغ في حره منه في برده.

{ أَفَرَأَيْتَ ٱلَّذِى كَفَرَ بِـئَايَـٰتِنَا وَقَالَ لأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً } نزلت في العاص بن وائل كان لخباب عليه مال فتقاضاه فقال له: لا حتى تكفر بمحمد فقال: لا والله لا أكفر بمحمد حياً ولا ميتاً ولا حين تبعث، قال فإذا بعثت جئتني فيكون لي ثم مال وولد فأعطيك. ولما كانت الرؤية أقوى سند الإِخبار استعمل أرأيت بمعنى الإِخبار، والفاء أصلها في التعقيب والمعنى: أخبر بقصة هذا الكافر عقب حديث أولئك. وقرأ حمزة والكسائي «ولداً» وهو جمع ولد كأسد في أسد أو لغة فيه كالعرب والعرب.

{ أَطَّلَعَ ٱلْغَيْبَ } أقد بلغ من عظمة شأنه إلى أن ارتقى إلى علم الغيب الذي توحد به الواحد القهار حتى ادعى أن يؤتى في الآخرة مالاً وولداً وتألى عليه. { أَمِ ٱتَّخَذَ عِندَ ٱلرَّحْمَـٰنِ عَهْداً } أو اتخذ من عالم الغيب عهداً بذلك فإنه لا يتوصل إلى العلم به إلا بأحد هذين الطريقين. وقيل العهد كلمة الشهادة والعمل الصالح فإن وعد الله بالثواب عليهما كالعهد عليه.

{ كَلاَّ } ردع وتنبيه على أنه مخطىء فيما تصوره لنفسه. { سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ } سنظهر له أنا كتبنا قوله على طريقة قوله:
إذا ما انتسبنا لم تلدني لئيمة   
أي تبين أني لم تلدني لئيمة، أو سننتقم منه انتقام من كتب جريمة العدو وحفظها عليه فإن نفس الكتابة لا تتأخر عن القول لقوله تعالى:مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } [ق: 18] { وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ ٱلْعَذَابِ مَدّاً } ونطول له من العذاب ما يستأهله، أو نزيد عذابه ونضاعفه له لكفره وافترائه واستهزائه على الله جلت عظمته، ولذلك أكده بالمصدر دلالة على فرط غضبه عليه. { وَنَرِثُهُ } بموته. { مَا يَقُولُ } يعني المال والولد. { وَيَأْتِينَا } يوم القيامة. { فَرْداً } لا يصحبه مال ولا ولد كان له في الدنيا فضلاً أن يؤتى ثم زائداً وقيل { فَرْداً } رافضاً لهذا القول منفرداً عنه.