الرئيسية - التفاسير


* تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق


{ وَهُزِّىۤ إِلَيْكِ بِجِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً } * { فَكُلِي وَٱشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ ٱلبَشَرِ أَحَداً فَقُولِيۤ إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَـٰنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ ٱلْيَوْمَ إِنسِيّاً } * { فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُواْ يٰمَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً } * { يٰأُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ ٱمْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً } * { فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُواْ كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي ٱلْمَهْدِ صَبِيّاً } * { قَالَ إِنِّي عَبْدُ ٱللَّهِ آتَانِيَ ٱلْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً } * { وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِٱلصَّلاَةِ وَٱلزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً } * { وَبَرّاً بِوَٰلِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً } * { وَٱلسَّلاَمُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً } * { ذٰلِكَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ ٱلْحَقِّ ٱلَّذِي فِيهِ يَمْتُرُونَ }

{ وَهُزِّى إِلَيْكِ بِجِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ } وأميليه إليك، والباء مزيدة للتأكيد أو افعلي الهز والأمالة به، أو { هزي } الثمرة بهزه والهز تحريك بجذب ودفع. { تُسَـٰقِطْ عَلَيْكِ } تتساقط فأدغمت التاء الثانية في السين وحذفها حمزة، وقرأ يعقوب بالياء وحفص «تسَـٰقط» من ساقطت بمعنى أسقطت، وقرىء «تتساقط» و «تسقط» و «يسقط» فالتاء للنخلة والياء للجذع. { رُطَباً جَنِيّاً } تمييز أو مفعول. روي أنها كانت نخلة يابسة لا رأس لها ولا ثمر وكان الوقت شتاء، فهزتها فجعل الله تعالى لها رأساً وخوصاً ورطباً. وتسليتها بذلك لما فيه من المعجزات الدالة على براءة ساحتها فإن مثلها لا يتصور لمن يرتكب الفواحش، والمنبهة لمن رآها على أن من قدر أن يثمر النخلة اليابسة في الشتاء قدر أن يحبلها من غير فحل، وأنه ليس ببدع من شأنها مع ما فيه من الشراب والطعام ولذلك رتب عليه الأمرين فقال:

{ فَكُلِى وَٱشْرَبِى } أي من الرطب وماء السرى أو من الرطب وعصيره. { وَقَرِّي عَيْناً } وطيبي نفسك وارفضي عنها ما أحزنك، وقرىء { وقَرى } بالكسر وهو لغة نجد، واشتقاقه من القرار فإن العين إذا رأت ما يسر النفس سكنت إليه من النظر إلى غيره، أو من الفرقان دمعة السرور باردة ودمعة الحزن حارة ولذلك يقال قرة العين للمحبوب وسخنتها للمكروه. { فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ ٱلبَشَرِ أَحَداً } فإن تري آدمياً، وقرىء «ترئن» على لغة من يقول لبأت بالحج لتآخ بين الهمزة وحرف اللين. { فَقُولِى إِنِّى نَذَرْتُ لِلرَّحْمَـٰنِ صَوْماً } صمتاً وقد قرىء به، أو صياماً وكانوا لا يتكلمون في صيامهم. { فَلَنْ أُكَلِّمَ ٱلْيَوْمَ إِنسِيّاً } بعد أن أخبرتكم بنذري وإنما أكلم الملائكة وأناجي ربي. وقيل أخبرتهم بنذرها بالإِشارة وأمرها بذلك لكراهة المجادلة والاكتفاء بكلام عيسى عليه الصلاة والسلام فإنه قاطع في قطع الطاعن.

{ فَأَتَتْ بِهِ } أي مع ولدها. { قَوْمَهَا } راجعة إليهم بعد ما طهرت من النفاس. { تَحْمِلُهُ } حاملة إياه. { قَالُواْ يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً } أي بديعاً منكراً من فري الجلد.

{ يَآ أُخْتَ هَـٰرُونَ } يعنون هرون النبي عليه الصلاة والسلام وكانت من أعقاب من كان معه في طبقة الأخوة، وقيل كانت من نسله وكان بينهما ألف سنة. وقيل هو رجل طالح أو صالح كان في زمانهم شبهوها به تهكماً أو لما رأوا قبل من صلاحها أو شتموها به. { مَا كَانَ أَبُوكِ ٱمْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً } تقرير لأن ما جاءت به فري، وتنبيه على أن الفواحش من أولاد الصالحين أفحش.

{ فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ } إلى عيسى عليه الصلاة والسلام أي كلموه ليجيبكم. { قَالُواْ كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِى ٱلْمَهْدِ صَبِيّاً } ولم نعهد صبياً في المهد كلمه عاقل، و { كَانَ } زائدة والظرف صلة من.

السابقالتالي
2