الرئيسية - التفاسير


* تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق


{ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ ٱلشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَىٰ قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُمْ مِّن دُونِهَا سِتْراً } * { كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْراً } * { ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً } * { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْماً لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً } * { قَالُواْ يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي ٱلأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَىٰ أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً } * { قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً } * { آتُونِي زُبَرَ ٱلْحَدِيدِ حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ ٱلصَّدَفَيْنِ قَالَ ٱنفُخُواْ حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَاراً قَالَ آتُونِيۤ أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً } * { فَمَا ٱسْطَاعُوۤاْ أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا ٱسْتَطَاعُواْ لَهُ نَقْباً } * { قَالَ هَـٰذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّآءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً } * { وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعاً } * { وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضاً }

{ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ ٱلشَّمْسِ } يعني الموضع الذي تطلع الشمس عليه أولاً من معمورة الأرض، وقرىء بفتح اللام على إضمار مضاف أي مكان مطلع الشمس فإنه مصدر. { وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَىٰ قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُمْ مّن دُونِهَا سِتْراً } من اللباس أو البناء، فإن أرضهم لا تمسك الأبنية أو أنهم اتخذوا الأسراب بدل الأبنية.

{ كَذٰلِكَ } أي أمر ذي القرنين كما وصفناه في رفعة المكان وبسطة الملك، أو أمره فيهم كأمره في أهل المغرب من التخيير والاختيار. ويجوز أن يكون صفة مصدر محذوف لوجد أو { نَجْعَلِ } أو صفة قوم أي على قوم مثل ذلك القبيل الذي تغرب عليهم الشمس في الكفر والحكم. { وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ } من الجنود والآلات والعدد والأسباب. { خُبْراً } علماً تعلق بظواهره وخفاياه، والمراد أن كثرة ذلك بلغت مبلغاً لا يحيط به إلا علم اللطيف الخبير.

{ ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً } يعني طريقاً ثالثاً معترضاً بين المشرق والمغرب آخذاً من الجنوب إلى الشمال.

{ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ } بين الجبلين المبني بينهما سده وهماً جبلا أرمينية وأذربيجان. وقيل جبلان منيفان في أواخر الشمال في منقطع أرض الترك من ورائهما يأجوج ومأجوج. وقرأ نافع وابن عامر وحمزة والكسائي وأبو بكر ويعقوب «بَيْنَ السُّدَّيْنِ» بالضم وهما لغتان. وقيل المضموم لما خلقه الله تعالى والمفتوح لما عمله الناس لأنه في الأصل مصدر سمي به حدث يحدثه الناس. وقيل بالكسر وبين ها هنا مفعول به وهو من الظروف المتصرفة. { وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْماً لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً } لغرابة لغتهم وقلة فطنتهم. وقرأ حمزة والكسائي «لا يفقهون» أي لا يفهمون السامع كلامهم ولا يبينونه لتلعثمهم فيه.

{ قَالُواْ يَا ذَا ٱلْقَرْنَيْنِ } أي قال مترجمهم وفي مصحف ابن مسعود قال «الذين من دونهم». { إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ } قبيلتان من ولد يافث بن نوح، وقيل يأجوج من الترك ومأجوج من الجبل. وهما اسمان أعجميان بدليل منع الصرف. وقيل عربيان من أج الظليم إذا أسرع وأصلهما الهمز كما قرأ عاصم ومنع صرفهما للتعريف والتأنيث. { مُفْسِدُونَ فِى ٱلأَرْضِ } أي في أرضنا بالقتل والتخريب وإتلاف الزرع. قيل كانوا يخرجون أيام الربيع فلا يتركون أخضر إلا أكلوه ولا يابساً إلا احتملوه، وقيل كانوا يأكلون الناس. { فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً } نخرجه من أموالنا. وقرأ حمزة والكسائي «خراجاً» وكلاهما واحد كالنول والنوال. وقيل الخراج على الأرض والذمة والخرج المصدر. { عَلَىٰ أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّا } يحجز دون خروجهم علينا وقد ضمه من ضم «السُّدَّيْنِ» غير حمزة والكسائي.

{ قَالَ مَا مَكَّنّى فِيهِ رَبّى خَيْرٌ } ما جعلني فيه مكيناً من المال والملك خير مما تبذلون لي من الخراج ولا حاجة بي إليه.

السابقالتالي
2