الرئيسية - التفاسير


* تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُوۤاْ إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ ٱلْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً } * { مَّآ أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَلاَ خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ ٱلْمُضِلِّينَ عَضُداً } * { وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُواْ شُرَكَآئِيَ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم مَّوْبِقاً } * { وَرَأَى ٱلْمُجْرِمُونَ ٱلنَّارَ فَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ مُّوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُواْ عَنْهَا مَصْرِفاً } * { وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ ٱلإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً } * { وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن يُؤْمِنُوۤاْ إِذْ جَآءَهُمُ ٱلْهُدَىٰ وَيَسْتَغْفِرُواْ رَبَّهُمْ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ ٱلأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ ٱلْعَذَابُ قُبُلاً }

{ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَـٰئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ } كرره في مواضع لكونه مقدمة للأمور المقصود بيانها في تلك المحال، وها هنا لما شنع على المفتخرين واستقبح صنيعهم قرر ذلك بأنه من سنن إبليس، أو لما بين حال المغرور بالدنيا والمعرض عنها وكان سبب الاغترار بها حب الشهوات وتسويل الشيطان. زهدهم أولاً في زخارف الدنيا بأنها عرضة الزوال والأعمال الصالحة خير وأبقى من أنفسها وأعلاها، ثم نفرهم عن الشيطان بتذكير ما بينهم من العدواة القديمة وهكذا مذهب كل تكرير في القرآن. { كَانَ مِنَ ٱلْجِنّ } حال بإضمار قد أو استئناف للتعليل كأنه قيل: ما له لم يسجد فقيل كان من الجن. { فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبّهِ } فخرج عن أمره بترك السجود والفاء للسبب، وفيه دليل على أن الملك لا يعصى أَلبتة وإنما عصى إبليس لأنه كان جنياً في أصله والكلام المستقصى فيه في سورة «البقرة». { أَفَتَتَّخِذُونَهُ } أعقيب ما وجد منه تتخذونه والهمزة للإِنكار والتعجب. { وَذُرّيَّتَهُ } أولاده أو أتباعه، وسماهم ذرية مجازاً. { أَوْلِيَاء مِن دُونِى } فتستبدلونهم بي فتطيعونهم بدل طاعتي. { وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّـٰلِمِينَ بَدَلاً } من الله تعالى إبليس وذريته، { وَمَّا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضِ وَلاَ خَلْقَ أَنفُسِهِمْ } نفي إحضار إبليس وذريته خلق السموات والأرض، و إحضار بعضهم خلق بعض ليدل على نفي الاعتضاد بهم في ذلك كما صرح به بقوله: { وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ المُضِلِّينَ عَضُداً } أي أعواناً رداً لاتخاذهم أولياء من دون الله شركاء له في العبادة، فإن استحقاق العبادة من توابع الخالقية والاشتراك فيه يستلزم الاشتراك فيها، فوضع { ٱلْمُضِلّينَ } موضع الضمير ذماً لهم واستبعاداً للاعتضاد بهم. وقيل الضمير للمشركين والمعنى: ما أشهدتهم خلق ذلك وما خصصتهم بعلوم لا يعرفها غيرهم حتى لو آمنوا اتبعهم الناس كما يزعمون، فلا تلتفت إلى قولهم طمعاً في نصرتهم للدين فإنه لا ينبغي لي أن أعتضد بالمضلين لديني. ويعضده قراءة من قرأ { وَمَا كُنْتَ } على خطاب الرسول صلى الله عليه وسلم، وقرىء { مُتَّخِذاً ٱلْمُضِلّينَ } على الأصل و { عَضُداً } بالتخفيف و { عَضُداً } بالاتباع و { عَضُداً } كخدم جمع عاضد من عضده إذا قواه.

{ وَيَوْمَ يَقُولُ } أي الله تعالى للكافرين وقرأ حمزة بالنون. { نَادُواْ شُرَكَائِىَ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ } أنهم شركائي وشفعاؤكم ليمنعوكم من عذابي، وإضافة الشركاء على زعمهم للتوبيخ والمراد ما عبد من دونه، وقيل إبليس وذريته. { فَدَعَوْهُمْ } فنادوهم للإِغاثة. { فَلَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُمْ } فلم يغيثوهم. { وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم } بين الكفار وآلهتهم. { مَّوْبِقاً } مهلكاً يشتركون فيه وهو النار، أو عداوة هي في شدتها هلاك كقول عمر رضي الله عنه: لا يكن حبك كلفاً ولا بغضك تلفاً.

السابقالتالي
2