الرئيسية - التفاسير


* تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً }

{ وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ } واحبسها وثبتها. { مَعَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِىّ } في مجامع أوقاتهم، أو في طرفي النهار. وقرأ ابن عامر «بالغدوة» وفيه أن غدوة علم في الأكثر فتكون اللام فيه على تأويل التنكير. { يُرِيدُونَ وَجْهَهُ } رضا الله وطاعته. { وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ } ولا يجاوزهم نظرك إلى غيرهم، وتعديته بعن لتضمينه معنى نبأ. وقرىء «ولا تعد عينيك» { وَلاَ تَعْدُ } من أعداه وعداه. والمراد نهي الرسول صلى الله عليه وسلم أن يزدري بفقراء المؤمنين وتعلو عينه عن رثاثة زيهم طموحاً إلى طراوة زي الأغنياء. { تُرِيدُ زِينَةَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا } حال من الكاف في المشهورة ومن المستكن في الفعل في غيرها. { وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ } من جعلنا قلبه غافلاً. { عَن ذِكْرِنَا } كأمية بن خلف في دعائك إلى طرد الفقراء عن مجلسك لصناديد قريش. وفيه تنبيه على أن الداعي له إلى هذا الاستدعاء غفلة قلبه عن المعقولات وانهماكه في المحسوسات، حتى خفي عليه أن الشرف بحلية النفس لا بزينة الجسد، وأنه لو أطاعه كان مثله في الغباوة. والمعتزلة لما غاظهم إسناد الإِغفال إلى الله تعالى قالوا: إنه مثل أجبنته إذا وجدته كذلك أو نسبته إليه، أو من أغفل إبله إذا تركها بغير سمة أي لم نسمه بذكرنا كقلوب الذين كتبنا في قلوبهم الإِيمان، واحتجوا على أن المراد ليس ظاهر ما ذكر أولاً بقوله: { وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ } وجوابه ما مر غير مرة. وقرىء { أَغْفَلْنَا } بإسناد الفعل إلى القلب على معنى حسبنا قلبه غافلين عن ذكرنا إياه بالمؤاخذة. { وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا } أي تقدماً على الحق ونبذاً له وراء ظهره يقال: فرس فرط أي متقدم للخيل ومنه الفرط.