الرئيسية - التفاسير


* تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق


{ ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الحِزْبَيْنِ أَحْصَىٰ لِمَا لَبِثُواْ أَمَداً } * { نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نبَأَهُم بِٱلْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُواْ بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى } * { وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُواْ فَقَالُواْ رَبُّنَا رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ لَن نَّدْعُوَاْ مِن دُونِهِ إِلـٰهاً لَّقَدْ قُلْنَا إِذاً شَطَطاً } * { هَـٰؤُلاۤءِ قَوْمُنَا ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّوْلاَ يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } * { وَإِذِ ٱعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ ٱللَّهَ فَأْوُوا إِلَى ٱلْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِّنْ أَمْرِكُمْ مِّرْفَقاً } * { وَتَرَى ٱلشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ ٱلْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ ٱلشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ ذٰلِكَ مِنْ آيَاتِ ٱللَّهِ مَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُّرْشِداً } * { وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ ٱليَمِينِ وَذَاتَ ٱلشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِٱلوَصِيدِ لَوِ ٱطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً } * { وَكَذٰلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَآءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَم لَبِثْتُمْ قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُواْ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَٱبْعَثُواْ أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَـٰذِهِ إِلَىٰ ٱلْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَآ أَزْكَىٰ طَعَاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلاَ يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً } * { إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُواْ عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوۤاْ إِذاً أَبَداً }

{ ثُمَّ بَعَثْنَـٰهُمْ } أيقظناهم. { لِنَعْلَمَ } ليتعلق علمنا تعلقاً حالياً مطابقاً لتعلقه أولاً تعلقاً استقبالياً. { أَيُّ الحِزْبَيْنِ } المختلفين منهم أو من غيرهم في مدة لبثهم. { أَحْصَىٰ لِمَا لَبِثُواْ أَمَدًا } ضبط أمد الزمان لبثهم وما في أي من معنى الاستفهام علق عنه لنعلم، فهو مبتدأ و { أَحْصَىٰ } خبره. وهو فعل ماضٍ و { أَمَدًا } مفعول له و { لِمَا لَبِثُواْ } حال منه أو مفعول له، وقيل إنه المفعول واللام مزيدة وما موصولة و { أَمَدًا } تمييز، وقيل { أَحْصَىٰ } اسم تفضيل من الإِحصاء بحذف الزوائد كقولهم: هو أحصى للمال وأفلس من ابن المذلق، و { أَمَدًا } نصب بفعل دل عليه { أَحْصَىٰ } كقوله:
وَأضـرب مِـنَّا بِالسُّيُـوفِ القَوَانِـسَا   
{ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نبَأَهُم بِٱلْحَقّ } بالصدق. { إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ } شبان جمع فتى كصبي وصبية. { ءَامَنُواْ بِرَبّهِمْ وَزِدْنَـٰهُمْ هُدًى } بالتثبيت.

{ وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ } وقويناها بالصبر على هجر الوطن والأهل والمال، والجراءة على إظهار الحق والرد على دقيانوس الجبار. { إِذْ قَامُواْ } بين يديه. { فَقَالُواْ رَبُّنَا رَبُّ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ لَن نَّدْعُوَاْ مِن دُونِهِ إِلـٰهاً لَّقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا } والله لقد قلنا قولاً ذا شطط أي ذا بعد عن الحق مفرط في الظلم.

{ هَـؤُلاء } مبتدأ. { قَوْمُنَا } عطف بيان. { ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ ءالِهَةً } خبره، وهو إخبار في معنى إنكار. { لَّوْلاَ يَأْتُونَ } هلا يأتون. { عَلَيْهِمْ } على عبادتهم. { بِسُلْطَـٰنٍ بَيّنٍ } ببرهان ظاهر فإن الدين لا يؤخذ إلا به، وفيه دليل على أن ما لا دليل عليه من الديانات مردود وأن التقليد فيه غير جائز. { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا } بنسبة الشريك إليه.

{ وَإِذِ ٱعْتَزَلْتُمُوهُمْ } خطاب بعضهم لبعض. { وَمَا يَعْبُدُونَ إَلاَّ ٱللَّهَ } عطف على الضمير المنصوب، أي وإذا اعتزلتم القوم ومعبوديهم إلا الله، فإنهم كانوا يعبدون الله ويعبدون الأصنام كسائر المشركين. ويجوز أن تكون { مَا } مصدرية على تقدير وإذ اعتزلتموهم وعبادتهم إلا عبادة الله، وأن تكون نافية على أنه إخبار من الله تعالى عن الفتية بالتوحيد معترض بين { إِذْ } وجوابه لتحقيق اعتزالهم. { فَأْوُواْ إِلَى ٱلْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم } يبسط الرزق لكم ويوسع عليكم. { مّن رَّحْمَتِهِ } في الدارين. { وَيُهَيّىء لَكُمْ مّنْ أَمْرِكُمْ مّرْفَقًا } ما ترتفقون به أي تنتفعون، وجزمهم بذلك لنصوع يقينهم وقوة وثوقهم بفضل الله تعالى، وقرأ نافع وابن عامر { مّرْفَقًا } بفتح الميم وكسر الفاء وهو مصدر جاء شاذاً كالمرجع والمحيض فإن قياسه الفتح.

{ وَتَرَى ٱلشَّمْسَ } لو رأيتهم، والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أو لكل أحد. { إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ } تميل عنه ولا يقع شعاعها عليهم فيؤذيهم، لأن الكهف كان جنوبياً، أو لأن الله تعالى زورها عنهم.

السابقالتالي
2 3