الرئيسية - التفاسير


* تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَأَمِنْتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ ٱلْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ وَكِيلاً } * { أَمْ أَمِنْتُمْ أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَىٰ فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفاً مِّنَ ٱلرِّيحِ فَيُغْرِقَكُم بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعاً } * { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي ءَادَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً } * { يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ يَقْرَؤونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً } * { وَمَن كَانَ فِي هَـٰذِهِ أَعْمَىٰ فَهُوَ فِي ٱلآخِرَةِ أَعْمَىٰ وَأَضَلُّ سَبِيلاً } * { وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ ٱلَّذِي أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً } * { وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً }

{ أَفَأَمِنتُمْ } الهمزة فيه للإِنكار والفاء للعطف على محذوف تقديره: أنجوتم فأمنتم فحملكم ذلك على الإِعراض، فإن من قدر أن يهلككم في البحر بالغرق قادر أن يهلككم في البر بالخسف وغيره. { أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ ٱلْبَرّ } أن يقلبه الله وأنتم عليه، أو يقلبه بسببكم فبكم حال أو صلة ليخسف، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بالنون فيه وفي الأربعة التي بعده، وفي ذكر الجانب تنبيه على أنهم لما وصلوا الساحل كفروا وأعرضوا وأن الجوانب والجهات في قدرته سواء لا معقل يؤمن فيه من أسباب الهلاك. { أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا } ريحاً تحصب أي ترمي بالحصباء { ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ وَكِيلاً } يحفظكم من ذلك فإنه لا راد لفضله.

{ أَمْ أَمِنتُمْ أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ } في البحر. { تَارَةً أُخْرَىٰ } بخلق دواع تلجئكم إلى أن ترجعوا فتركبوه. { فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مّنَ ٱلرّيحِ } لا تمر بشيء إلا قصفته أي كسرته. { فَيُغْرِقَكُم } وعن يعقوب بالتاء على إسناده إلى ضمير { ٱلرّيحَ }. { بِمَا كَفَرْتُمْ } بسبب إشراككم أو كفرانكم نعمة الإِنجاء. { ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا } مطالباً يتبعنا بانتصار أو صرف.

{ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى ءادَمَ } بحسن الصورة والمزاج الأعدل واعتدال القامة والتمييز بالعقل والإِفهام بالنطق والإِشارة والخط والتهدي، أو أسباب المعاش والمعاد والتسلط على ما في الأرض والتمكن من الصناعات وانسياق الأسباب والمسببات العلوية والسفلية إلى ما يعود عليهم بالمنافع إلى غير ذلك مما يقف الحضر دون إحصائه ومن ذلك ما ذكره ابن عباس: وهو أن كل حيوان يتناول طعامه بفيه إلا الإنسان فإنه يرفعه إليه بيده. { وَحَمَلْنَـٰهُمْ فِى ٱلْبَرّ وَٱلْبَحْرِ } على الدواب والسفن من حملته حملا إذا جعلت له ما يركبه، أو حملناهم فيهما حتى لم تخسف بهم الأرض ولم يغرقهم الماء. { وَرَزَقْنَاهُمْ مّنَ ٱلطَّيّبَاتِ } المستلذات مما يحصل بفعلهم وبغير فعلهم. { وَفَضَّلْنَـٰهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً } بالغلبة والاستيلاء أو بالشرف والكرامة، والمستثنى جنس الملائكة عليهم الصلاة والسلام أو الخواص منهم، ولا يلزم من عدم تفضيل الجنس عدم تفضيل بعض أفراده والمسألة موضع نظر، وقد أول الكثير بالكل وفيه تعسف.

{ يَوْمَ نَدْعُو } نصب بإضمار اذكر أو ظرف لما دل عليه { وَلاَ يُظْلَمُونَ } ، وقرىء «يدعو» و «يدعي» و «يدعو» على قلب الألف واواً في لغة من يقول أفعو في أفعى، أو على أن الواو علامة الجمع كما في قوله:وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجْوَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } [الأنبياء: 3] أو ضميره وكل بدل منه والنون محذوفة لقلة المبالاة بها فإنها ليست إلا علامة الرفع، وهو قد يقدر كما في «يدعي». { كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَـٰمِهِمْ } بمن ائتموا به من نبي أو مقدم في الدين أو كتاب أو دين.

السابقالتالي
2