الرئيسية - التفاسير


* تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱنْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ ٱلأَمْثَالَ فَضَلُّواْ فَلاَ يَسْتَطِيعْونَ سَبِيلاً } * { وَقَالُوۤاْ أَءِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً } * { قُلْ كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً } * { أَوْ خَلْقاً مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ ٱلَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هُوَ قُلْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ قَرِيباً } * { يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً } * { وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ ٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ ٱلشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ ٱلشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّاً مُّبِيناً } * { رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِن يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِن يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً } * { وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ ٱلنَّبِيِّينَ عَلَىٰ بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً }

{ ٱنْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ ٱلأَمْثَالَ } مثلوك بالشاعر والساحر والكاهن والمجنون. { فُضّلُواْ } عن الحق في جميع ذلك. { فَلاَ يَسْتَطِيعْونَ سَبِيلاً } إلى طعن موجه فيتهافتون ويخبطون كالمتحير في أمره لا يدري ما يصنع أو إلى الرشاد. { وَقَالُواْ أَءذَا كُنَّا عِظَـٰماً وَرُفَـٰتاً } حطاماً. { أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً } على الإِنكار والاستبعاد لما بين غضاضة الحي ويبوسة الرميم، من المباعدة والمنافاة، والعامل في إذا ما دل عليه مبعوثون لا نفسه لأن ما بعد أن لا يعمل فيما قبلها و { خَلْقاً } مصدر أو حال.

{ قُلْ } جواباً لهم. { كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً }.

{ أَوْ خَلْقًا مّمَّا يَكْبُرُ فِى صُدُورِكُمْ } أي مما يكبر عندكم عن قبول الحياة لكونه أبعد شيء منها، فإن قدرته تعالى لا تقصر عن إحيائكم لاشتراك الأجسام في قبول الأعراض، فكيف إذا كنتم عظاماً مرفوتة وقد كانت غضة موصوفة بالحياة قبل والشيء أقبل لما عهد فيه مما لم يعهد. { فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ ٱلَّذِى فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } وَكُنتم تراباً وما هو أبعد منه من الحياة. { فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ } فسيحركونها نحوك تعجباً واستهزاء. { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هُوَ قُلْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ قَرِيبًا } فإن كل ما هو آت قريب، وانتصابه على الخبر أو الظرف أي يكون في زمان قريب، و { أَن يَكُونَ } اسم { عَسَى } أو خبره والاسم مضمر.

{ يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ } أي يوم يبعثكم فتنبعثون، استعار لهما الدعاء والاستجابة للتنبيه على سرعتهما وتيسر أمرهما، وأن المقصود منهما الإحضار للمحاسبة والجزاء. { بِحَمْدِهِ } حال منهم أي حامدين الله تعالى على كمال قدرته كما قيل إنهم ينفضون التراب عن رؤوسهم ويقولون: سبحانك اللهم وبحمدك، أو منقادين لبعثه انقياد الحامدين عليه. { وَتَظُنُّونَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً } وتستقصرون مدة لبثكم في القبور كالذي مر على قرية، أو مدة حياتكم لما ترون من الهول.

{ وَقُل لِّعِبَادِى } يعني المؤمنين. { يَقُولُواْ ٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ } الكلمة التي هي أحسن ولا يخاشنوا المشركين. { إِنَّ ٱلشَّيْطَـٰنَ يَنزِعُ بَيْنَهُمْ } يهيج بينهم المراء والشر فلعل المخاشنة بهم تفضي إلى العناد وازدياد الفساد. { إِنَّ ٱلشَّيْطَـٰنَ كَانَ لِلإِنْسَـٰنِ عَدُوّا مُّبِينًا } ظاهر العداوة.

{ رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِن يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِن يَشَأْ يُعَذّبْكُمْ } تفسير لـ { ٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ } وما بينهما اعتراض أي قولوا لهم هذه الكلمة ونحوها ولا تصرحوا بأنهم من أهل النار، فإنه يهيجهم على الشر مع أن ختام أمرهم غيب لا يعلمه إلا الله. { وَمَا أَرْسَلْنَـٰكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً } موكولاً إليك أمرهم تقسرهم على الإِيمان وإنما أرسلناك مبشراً ونذيراً فدارهم ومر أصحابك بالاحتمال منهم. وروي أن المشركين أفرطوا في إيذائهم فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت.

السابقالتالي
2