الرئيسية - التفاسير


* تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق


{ خَلَقَ ٱلإِنْسَانَ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ } * { وَٱلأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } * { وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ } * { وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَىٰ بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ ٱلأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ } * { وَٱلْخَيْلَ وَٱلْبِغَالَ وَٱلْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } * { وَعَلَىٰ ٱللَّهِ قَصْدُ ٱلسَّبِيلِ وَمِنْهَا جَآئِرٌ وَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ } * { هُوَ ٱلَّذِي أَنْزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاءِ مَآءً لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ } * { يُنبِتُ لَكُمْ بِهِ ٱلزَّرْعَ وَٱلزَّيْتُونَ وَٱلنَّخِيلَ وَٱلأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } * { وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلَّيلَ وَٱلْنَّهَارَ وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ وَٱلْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } * { وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ } * { وَهُوَ ٱلَّذِي سَخَّرَ ٱلْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى ٱلْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } * { وَأَلْقَىٰ فِي ٱلأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } * { وَعَلامَاتٍ وَبِٱلنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ }

{ خَلَقَ ٱلإِنْسَـٰنَ مِن نُّطْفَةٍ } جماد لا حس بها ولا حراك سيالة لا تحفظ الوضع والشكل. { فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ } منطيق مجادل. { مُّبِينٌ } للحجة أو خصيم مكافح لخالقه قائل:مِنْ يُحْيِىٰ ٱلْعِظَـٰمَ وَهِيَ رَمِيمٌ } [يس: 78] روي أن أُبَي بن خلف أتى النبي صلى الله عليه وسلم بعظم رميم وقال: يا محمد أترى الله يحيي هذا بعد ما قد رمَّ. فنزلت.

{ وَٱلأَنْعَـٰمَ } الإِبل والبقر والغنم وانتصابها بمضمر يفسره. { خَلَقَهَا لَكُمْ } أو بالعطف على الإِنسان، وخلقها لكم بيان ما خلقت لأجله وما بعده تفصيل له. { فِيهَا دِفْءٌ } ما يدفأ به فيقي البرد. { وَمَنَـٰفِعُ } نسلها ودرها وظهورها، وإنما عبر عنها بالمنافع ليتناول عوضها. { وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } أي تأكلون ما يؤكل منها من اللحوم والشحوم والألبان، وتقديم الظرف للمحافظة على رؤوس الآي، أو لأن الأكل منها هو المعتاد المعتمد عليه في المعاش، وأما الأكل من سائر الحيوانات المأكولة فعلى سبيل التداوي أو التفكه.

{ وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ } زينة. { حِينَ تُرِيحُونَ } تردونها من مراعيها إلى مراحها بالعشي. { وَحِينَ تَسْرَحُونَ } تخرجونها بالغداة إلى المراعي فإن الأفنية تتزين بها في الوقتين ويجل أهلها في أعين الناظرين إليها، وتقديم الاراحة لأن الجمال فيها أظهر فإنها تقبل ملأى البطون حافلة الضروع، ثم تأوي إلى الحظائر حاضرة لأهلها. وقرىء «حيناً» على أن { تُرِيحُونَ } { وتسرحون } وصفان له بمعنى { تُرِيحُونَ } فيه { وتسرحون } فيه.

{ وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ } أحمالكم. { إِلَىٰ بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَـٰلِغِيهِ } أي إن لم تكن الأنعام ولم تخلق فضلاً أن تحملوها على ظهوركم إليه. { إِلاَّ بِشِقِّ ٱلأَنفُسِ } إلا بكلفة ومشقة. وقرىء بالفتح وهو لغة فيه. وقيل المفتوح مصدر شق الأمر عليه وأصله الصدع والمكسور بمعنى النصف، كأنه ذهب نصف قوته بالتعب. { إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ } حيث رحمكم بخلقها لانتفاعكم وتيسير الأمر عليكم.

{ وَٱلْخَيْلَ وَٱلْبِغَالَ وَٱلْحَمِيرَ } عطف على { ٱلأَنْعَـٰمِ }. { لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً } أي لتركبوها وتتزينوا بها زينة. وقيل هي معطوفة على محل { لِتَرْكَبُوهَا } وتغيير النظم لأن الزينة بفعل الخالق والركوب ليس بفعله، ولأن المقصود مِنْ خَلْقِهَا الركوب وأما التزين بها فحاصل بالعرض. وقرىء بغير واو وعلى هذا يحتمل أن يكون علة { لِتَرْكَبُوهَا } أو مصدراً في موضع الحال من أحد الضميرين أي: متزينين أو متزيناً بها، واستدل به على حرمة لحومها ولا دليل فيه إذ لا يلزم من تعليل الفعل بما يقصد منه غالباً أن لا يقصد منه غيره أصلاً، ويدل عليه أن الآية مكية وعامة المفسرين والمحدثين على أن الحمر الأهلية حرمت عام خيبر. { وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } لما فصل الحيوانات التي يحتاج إليها غالباً احتياجاً ضرورياً أو غير ضروري أجمل غيرها، ويجوز أن يكون إخباراً بأن له من الخلائق ما لا علم لنا به، وأن يراد به ما خلق في الجنة والنار مما لم يخطر على قلب بشر.

السابقالتالي
2 3