الرئيسية - التفاسير


* تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً ثُمَّ لاَ يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ } * { وَإِذَا رَأى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ٱلْعَذَابَ فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ } * { وَإِذَا رَأى ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ شُرَكَآءَهُمْ قَالُواْ رَبَّنَا هَـٰؤُلآءِ شُرَكَآؤُنَا ٱلَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوْا مِن دُونِكَ فَألْقَوْا إِلَيْهِمُ ٱلْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ } * { وَأَلْقَوْاْ إِلَىٰ ٱللَّهِ يَوْمَئِذٍ ٱلسَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } * { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَاباً فَوْقَ ٱلْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يُفْسِدُونَ } * { وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِّنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَىٰ هَـٰؤُلآءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ } * { إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلإحْسَانِ وَإِيتَآءِ ذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَاءِ وَٱلْمُنْكَرِ وَٱلْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }

{ وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِن كُلّ أُمَّةٍ شَهِيدًا } وهو نبيها يشهد لهم وعليهم بالإيمان والكفر. { ثُمَّ لاَ يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ } في الاعتذار إذ لا عذر لهم. وقيل في الرجوع إلى الدنيا. و { ثُمَّ } لزيادة ما يحيق بهم من شدة المنع عن الاعتذار لما فيه من الإقناط الكلي على ما يمنون به من شهادة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. { وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ } ولا هم يسترضون، من العتبى وهي الرضا وانتصاب يوم بمحذوف تقديره اذكر، أو خوفهم أو يحيق بهم ما يحيق وكذا قوله:

{ وَإِذَا رَأى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ٱلْعَذَابَ } عذاب جهنم. { فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ } أي العذاب. { وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ } يمهلون. { وَإِذَا رَءا ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ شُرَكَآءَهُمْ } أوثانهم التي ادعوها شركاء، أو الشياطين الذين شاركوهم في الكفر بالحمل عليه. { قَالُواْ رَبَّنَا هَـؤُلآء شُرَكَآؤُنَا ٱلَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوْا مِن دُونِكَ } نعبدهم أو نطيعهم، وهو اعتراف بأنهم كانوا مخطئين في ذلك، أو التماس لأن يشطر عذابهم. { فَألْقَوْا إِلَيْهِمُ ٱلْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَـٰذِبُونَ } أي أجابوهم بالتكذيب في أنهم شركاء الله، أو أنهم ما عبدوهم حقيقة وإنما عبدوا أهواءهم كقوله تعالى:كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَـٰدَتِهِمْ } [مريم: 82] ولا يمتنع إنطاق الله الأصنام به حينئذ، أو في أنهم حملوهم على الكفر وألزموهم إياه كقوله:وَمَا كَانَ لِىَ عَلَيْكُمْ مّن سُلْطَـٰنٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَٱسْتَجَبْتُمْ لِي } [إبراهيم: 22] { وَأَلْقَوْاْ } وألقى الذين ظلموا. { إِلَىٰ ٱللَّهِ يَوْمَئِذٍ ٱلسَّلَمَ } الاستسلام لحكمه بعد الاستكبار في الدنيا. { وَضَلَّ عَنْهُم } وضاع عنهم وبطل. { مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } من أن آلهتهم ينصرونهم ويشفعون لهم حين كذبوهم وتبرؤوا منهم.

{ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } بالمنع عن الإسلام والحمل على الكفر. { زِدْنَـٰهُمْ عَذَابًا } لصدهم. { فَوْقَ ٱلْعَذَابِ } المستحق بكفرهم. { بِمَا كَانُواْ يُفْسِدُونَ } بكونهم مفسدين بصدهم.

{ وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مّنْ أَنفُسِهِمْ } يعني نبيهم فإن نبي كل أمة بعث منهم. { وَجِئْنَا بِكَ } يا محمد. { شَهِيدًا عَلَىٰ هَـؤُلآء } على أمتك. { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبَ } استئناف أو حال بإضمار قد. { تِبْيَانًا } بياناً بليغاً. { لّكُلِّ شَيْءٍ } من أمور الدين على التفصيل أو الإجمال بالإحالة إلى السنة أو القياس. { وَهُدًى وَرَحْمَةً } للجميع وإنما حرمان المحروم من تفريطه. { وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ } خاصة.

{ إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ } بالتوسط في الأمور اعتقاداً كالتوحيد المتوسط بين التعطيل والتشريك، والقول بالكسب المتوسط بين محض الجبر والقدر، وعملاً كالتعبد بأداء الواجبات المتوسط بين البطالة والترهب، وخلقاً كالجود المتوسط بين البخل والتبذير. { وَٱلإْحْسَانِ } إحسان الطاعات، وهو إما بحسب الكمية كالتطوع بالنوافل أو بحسب الكيفية كما قال عليه الصلاة والسلام " الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك "

السابقالتالي
2