الرئيسية - التفاسير


* تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ } * { وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُّقِيمٍ } * { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ } * { وَإِن كَانَ أَصْحَابُ ٱلأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ } * { فَٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ } * { وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ ٱلحِجْرِ ٱلْمُرْسَلِينَ } * { وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا فَكَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ } * { وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ ٱلْجِبَالِ بُيُوتاً آمِنِينَ } * { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ } * { فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } * { وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ وَإِنَّ ٱلسَّاعَةَ لآتِيَةٌ فَٱصْفَحِ ٱلصَّفْحَ ٱلْجَمِيلَ } * { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ ٱلْخَلاَّقُ ٱلْعَلِيمُ }

{ إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَـٰتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ } للمتفكرين المتفرسين الذين يتشبثون في نظرهم حتى يعرفوا حقيقة الشيء بسمته.

{ وَإِنَّهَا } وإن المدينة أو القرى. { لَبِسَبِيلٍ مُّقِيمٍ } ثابت يسلكه الناس ويرون آثارها.

{ إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ } بالله ورسله.

{ وَإِن كَانَ أَصْحَـٰبُ ٱلأَيْكَةِ لَظَـٰلِمِينَ } هم قوم شعيب كانوا يسكنون الغيضة فبعثه الله إليهم فكذبوه فأهلكوا بالظلة، و { الأَيكة } الشجرة المتكاثفة.

{ فَٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ } بالإِهلاك. { وَإِنَّهُمَا } يعني سدوم والأيكة. وقيل الأيكة ومدين فإنه كان مبعوثاً إليهما فكان ذكر إحداهما منبهاً على الأخرى. { لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ } لبطريق واضح، والإِمام اسم ما يؤتم به فسمي به الطريق ومطمر البناء واللوح لأنها مما يؤتم به.

{ وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَـٰبُ ٱلحِجْرِ ٱلْمُرْسَلِينَ } يعني ثمود كذبوا صالحاً ومن كذب واحداً من الرسل فكأنما كذب الجميع، ويجوز أن يكون المراد بالمرسلين صالحاً ومن معه من المؤمنين، و { ٱلحِجْرِ } واد بين المدينة والشأم يسكنونه.

{ وَءَاتَيْنَـٰهُمْ ءَايَـٰتِنَا فَكَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ } يعني آيات الكتاب المنزل على نبيهم، أو معجزاته كالناقة وسقيها وشربها ودرها، أو ما نصب لهم من الأدلة.

{ وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ ٱلْجِبَالِ بُيُوتًا ءَامِنِينَ } من الانهدام ونقب اللصوص وتخريب الأعداء لوثاقتها، أو من العذاب لفرط غفلتهم أو حسبانهم أن الجبال تحميهم منه.

{ فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } من بناء البيوت الوثيقة واستكثار الأموال والعدد.

{ وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلاْرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِٱلْحَقِّ } إلا خلقاً ملتبساً بالحق لا يلائم استمرار الفساد ودوام الشرور، فلذلك اقتضت الحكمة إهلاك أمثال هؤلاء وإزاحة فسادهم من الأرض. { وَإِنَّ ٱلسَّاعَةَ لآتِيَةٌ } فينتقم الله لك فيها ممن كذبك. { فَٱصْفَحِ ٱلصَّفْحَ ٱلْجَمِيلَ } ولا تعجل بانتقام منهم وعاملهم معاملة الصفوح الحليم. وقيل هو منسوخ بآية السيف.

{ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ ٱلْخَلَّـٰقُ } الذي خلقك وخلقهم وبيده أمرك وأمرهم. { ٱلْعَلِيمُ } بحالك وحالهم فهو حقيق بأن تكل ذلك إليه ليحكم بينكم، أو هو الذي خلقكم وعلم الأصلح لكم، وقد علم أن الصفح اليوم أصلح، وفي مصحف عثمان وأبَيِّ رضي الله عنهما هو «الخالق»، وهو يصلح للقليل والكثير و { ٱلْخَلَّـٰقُ } يختص بالكثير.