الرئيسية - التفاسير


* تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق


{ قُل لِّعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَيُنْفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلاَلٌ } * { ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ ٱلثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي ٱلْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلأَنْهَارَ } * { وَسَخَّر لَكُمُ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ } * { وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ ٱلإنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ } * { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا ٱلْبَلَدَ ءَامِناً وَٱجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ ٱلأَصْنَامَ } * { رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { رَّبَّنَآ إِنَّيۤ أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ ٱلْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ فَٱجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ ٱلنَّاسِ تَهْوِىۤ إِلَيْهِمْ وَٱرْزُقْهُمْ مِّنَ ٱلثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ }

{ قُل لِّعِبَادِىَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ } خصهم بالإضافة تنويهاً لهم وتنبيهاً على أنهم المقيمون لحقوق العبودية، ومفعول { قُلْ } محذوف يدل عليه جوابه: أي قل لعبادي الذين آمنوا أقيموا الصلاة وأنفقوا. { يُقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَيُنْفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ } فيكون إيذاناً بأنهم لفرط مطاوعتهم للرسول صلى الله عليه وسلم بحيث لا ينفك فعلهم عن أمره، وأنه كالسبب الموجب له، ويجوز أن يقدرا بلام الأمر ليصح تعلق القول بهما وإنما حسن ذلك ها هنا ولم يحسن في قوله:
مُحَمَّدٌ تفد نَفْسَكَ كُلُّ نَفْس   إِذَا مَا خفت مِنْ أَمْرٍ تَبَالاَ
لدلالة قل عليه. وقيل هما جواباً أقيموا وأنفقوا مقامين مقامهما، وهو ضعيف لأنه لا بد من مخالفة ما بين الشرط وجوابه ولأن أمر المواجهة لا يجاب بلفظ الغيبة إذا كان الفاعل واحداً. { سِرًّا وَعَلاَنِيَةً } منتصبان على المصدر أي إنفاق سر وعلانية، أو على الحال أي ذوي سر وعلانية، أو على الظرف أي وقتي سر وعلانية، والأحب إعلان الواجب وإخفاء المتطوع به. { مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِىَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ } فيبتاع المقصر ما يتدارك به تقصيره أو يفدى به نفسه. { وَلاَ خِلَـٰلٌ } ولا مخالة فيشفع لك خليل، أو من قبل أن يأتي يوم لا انتفاع فيه بمبايعة ولا مخالة وإنما ينتفع فيه بالانفاق لوجه الله تعالى. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب بالفتح فيهما على النفي العام.

{ ٱللَّهُ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } مبتدأ وخبر { وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ ٱلثَّمَرٰتِ رِزْقاً لَكُمْ } تعيشون به وهو يشمل المطعوم والملبوس مفعول لأخرج و { مِنَ ٱلثَّمَرٰتِ } بيان له وحال منه ويحتمل عكس ذلك ويجوز أن يراد به المصدر فينتصب بالعلة، أو المصدر لأن أخرج في معنى رزق. { وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلْفُلْكَ لِتَجْرِىَ فِى ٱلْبَحْرِ بِأَمْرِهِ } بمشيئته إلى حيث توجهتم. { وَسَخَّرَ لَكُمْ ٱلأَنْهَـٰرَ } فجعلها معدة لانتفاعكم وتصرفكم وقيل تسخير هذه الأشياء تعليم كيفية اتخاذها.

{ وَسَخَّر لَكُمُ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ دَائِبَين } يدأبان في سيرهما وإنارتهما وإصلاح ما يصلحانه من المكونات. { وَسَخَّر لَكُمُ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ } يتعاقبان لسباتكم ومعاشكم. { وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ } أي بعض جميع ما سألتموه يعني من كل شيء سألتموه شيئاً، فإن الموجود من كل صنف بعض ما في قدرة الله تعالى، ولعل المراد بـ { مَا سَأَلْتُمُوهُ } ما كان حقيقاً بأن يسأل لاحتياج الناس إليه سئل أو لم يسأل، وما يحتمل أن تكون موصولة وموصوفة ومصدرية ويكون المصدر بمعنى المفعول. وقرىء { مِنْ كُلِّ } بالتنوين أي وآتاكم من كل شيء ما احتجتم إليه وسألتموه بلسان الحال، ويجوز أن تكون «ما» نافية في موقع الحال أي وآتاكم من كل شيء غير سائليه.

السابقالتالي
2 3