الرئيسية - التفاسير


* تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ } * { يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَـٰذَا وَٱسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ ٱلْخَاطِئِينَ } * { وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي ٱلْمَدِينَةِ ٱمْرَأَةُ ٱلْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } * { فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَئاً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّيناً وَقَالَتِ ٱخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَـٰذَا بَشَراً إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ } * { قَالَتْ فَذٰلِكُنَّ ٱلَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَٱسَتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَآ آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِّن ٱلصَّاغِرِينَ } * { قَالَ رَبِّ ٱلسِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِيۤ إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ ٱلْجَاهِلِينَ }

{ فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ } إن قولك { مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءا } أو إن السوء أو إن هذا الأمر. { مِن كَيْدِكُنَّ } من حيلتكن والخطاب لها ولأمثالها أو لسائر النساء. { إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ } فإن كيد النساء ألطف وأعلق بالقلب وأشد تأثيراً في النفس ولأنهن يواجهن به الرجال والشيطان يوسوس به مسارقة.

{ يُوسُفَ } حذف منه حرف النداء لقربه وتفطنه للحديث. { أَعْرِضْ عَنْ هَـٰذَا } اكتمه ولا تذكره. { وَٱسْتَغْفِرِى لِذَنبِكِ } يا راعيل. { إِنَّكِ كُنتِ مِنَ ٱلْخَـٰطِئِينَ } من القوم المذنبين من خطىء إذا أذنب متعمداً والتذكير للتغليب.

{ وَقَالَ نِسْوَةٌ } هي اسم لجمع امرأة وتأنيثه بهذا الاعتبار غير حقيقي ولذلك جرد فعله وضم النون لغة فيها. { فِى ٱلْمَدِينَةِ } ظرف لقال أي أشعن الحكاية في مصر، أو صفة نسوة وكن خمساً وزوجة الحاجب والساقي والخباز والسجان وصاحب الدواب. { ٱمْرَأَتُ ٱلْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَّفْسِهِ } تطلب مواقعة غلامها إياها. و { ٱلْعَزِيزُ } بلسان العرب الملك وأصل فتى فتي لقولهم فتيان والفتوة شاذة. { قَدْ شَغَفَهَا حُبّا } شق شغاف قلبها وهو حجابه حتى وصل إلى فؤادها حباً، ونصبه على التمييز لصرف الفعل عنه. وقرىء«شعفها» من شعف البعير إذا هنأه بالقطران فأحرقه. { إِنَّا لَنَرَاهَا فِى ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ } في ضلال عن الرشد وبعد عن الصواب.

{ فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ } باغتيابهن، وإنما سماه مكراً لأنهن أخفينه كما يخفي الماكر مكره، أو قلن ذلك لتريهن يوسف أو لأنها استكتمتهن سرها فأفشينه عليها. { أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ } تدعوهن قيل دعت أربعين امرأة فيهن الخمس المذكورات. { وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ } ما يتكئن عليه من الوسائد. { وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً } حتى يتكئن والسكاكين بأيديهن فإذا خرج عليهن يبهتن ويشغلن عن نفوسهن فتقع أيديهن على أيديهن فيقطعنها فيبكتن بالحجة، أو يهاب يوسف مكرها إذا خرج وحده على أربعين امرأة في أيديهن الخناجر. وقيل متكأ طعاماً أو مجلس طعام فإنهم كانوا يتكئون للطعام والشراب ترفاً ولذلك نهى عنه. قال جميل:
فَظَللنا بِنِعْمَةٍ وَاتَكَأْنَا   وَشَرِبْنَا الحَلاَلَ مِنْ قُللِهْ
وقيل المتكأ طعام يحز حزاً كأن القاطع يتكىء عليه بالسكين. وقرىء «متكأ» بحذف الهمزة و«متكاء» بإشباع الفتحة كمنتزاح و «متكا» وهو الأترج أو ما يقطع من متك الشيء إذا بتكه و { متكأ } من تكىء يتكأ إذا اتكأ. { وَقَالَتِ ٱخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ } عظمنه وهبن حسنه الفائق. وعن النبي صلى الله عليه وسلم " رأيت يوسف ليلة المعراج كالقمر ليلة البدر " وقيل كان يرى تلألؤ وجهه على الجدران. وقيل أكبرن بمعنى حضن من أكبرت المرأة إذا حاضت لأنها تدخل الكبر بالحيض، والهاء ضمير للمصدر أو ليوسف عليه الصلاة والسلام على حذف اللام أي حضن له من شدة الشبق كما قال المتنبي:

السابقالتالي
2