الرئيسية - التفاسير


* تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق


{ وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَق ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى ٱلْمَآءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُمْ مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ ٱلْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ } * { وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ ٱلْعَذَابَ إِلَىٰ أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ }

{ وَهُوَ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلاْرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ } أي خلقهما وما فيهما كما مر بيانه في «الأعراف»، أو ما في جهتي العلو والسفل وجمع السموات دون الأرض لاختلاف العلويات بالأصل والذات دون السفليات. { وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى ٱلْمَاء } قبل خلقهما لم يكن حائل بينهما لأنه كان موضوعاً على متن الماء، واستدل به على إمكان الخلاء وأن الماء أول حادث بعد العرش من أجرام هذا العالم. وقيل كان الماء على متن الريح، والله أعلم بذلك. { لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً } متعلق بـ { خُلِقَ } أي خلق ذلك كخلق من خلق ليعاملكم معاملة المبتلي لأحوالكم كيف تعملون، فإن جملة ذلك أسباب ومواد لوجودكم ومعاشكم وما تحتاج إليه أعمالكم ودلائل وأمارات تستدلون بها وتستنبطون منها، وإنما جاز تعليق فعل البلوى لما فيه من معنى العلم من حيث إنه طريق إليه كالنظر والاستماع، وإنما ذكر صيغة التفضيل والاختبار شامل لفرق المكلفين باعتبار الحسن والقبح للتحريض على أحاسن المحاسن، والتحضيض على الترقي دائماً في مراتب العلم والعمل فإن المراد بالعمل ما يعم عمل القلب والجوارح ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم " أيكم أحسن عقلاً وأورع عن محارم الله وأسرع في طاعة الله " والمعنى أيكم أكمل علماً وعملاً. { وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُمْ مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ ٱلْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ } أي ما البعث أو القول به أو القرآن المتضمن لذكره إلا كالسحر في الخديعة أو البطلان. وقرأ حمزة والكسائي «إلا ساحر» على أن الإشارة إلى القائل. وقرىء { إِنَّكُمْ } بالفتح على تضمن قلت معنى ذكرت أو أن يكون أن بمعنى على أي ولئن قلت علَّكم مبعوثون، بمعنى توقعوا بعثكم ولا تبتوا بإنكاره لعدوه من قبيل ما لا حقيقة له مبالغة في إنكاره.

{ وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ ٱلْعَذَابَ } الموعود. { إِلَىٰ أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ } إلى جماعة من الأوقات قليلة. { لَّيَقُولَنَّ } استهزاء. { مَا يَحْبِسُهُ } ما يمنعه من الوقوع. { أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ } كيوم بدر. { لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ } ليس العذاب مدفوعاً عنهم، و { يَوْمٍ } منصوب بخبر { لَّيْسَ } مقدم عليه وهو دليل على جواز تقديم خبرها عليها. { وَحَاقَ بِهِم } وأحاط بهم وضع الماضي موضع المستقبل تحقيقاً ومبالغة في التهديد. { مَّا كَانُوا بِهِ } أي العذاب الذي كانوا به يستعجلون، فوضع { يستهزؤون } موضع يستعجلون لأن استعجالهم كان استهزاء.