الرئيسية - التفاسير


* تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق


{ الۤر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ } * { أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ } * { وَأَنِ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَّتَاعاً حَسَناً إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ } * { إِلَى ٱللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ }

{ الر كِتَابٌ } مبتدأ وخبر أو { كِتَابٌ } خبر مبتدأ محذوف. { أُحكِمَتْ آيَاتُهُ } نظمت نظماً محكماً لا يعتريه إخلال من جهة اللفظ والمعنى، أو منعت من الفساد والنسخ فإن المراد آيات السورة وليس فيها منسوخ، أو أحكمت بالحجج والدلائل أو جعلت حكمية منقول من حكم بالضم إذا صار حكيماً لأنها مشتملة على أمهات الحكم النظرية والعملية. { ثُمَّ فُصّلَتْ } بالفوائد من العقائد والأحكام والمواعظ والأخبار، أو بجعلها سوراً أو بالانزال نجماً نجماً، أو فصل فيها ولخص ما يحتاج إليه. وقرىء { ثُمَّ فُصّلَتْ } أي فرقت بين الحق والباطل وأحكمت آياته { ثُمَّ فُصّلَتْ } على البناء للمتكلم، و { ثُمَّ } للتفاوت في الحكم أو للتراخي في الأخبار. { مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ } صفة أخرى لـ { كِتَابٌ } ، أو خبر بعد خبر أو صلة لـ { أُحْكِمَتْ } أو { فُصّلَتْ } ، وهو تقرير لأحكامها وتفصيلها على أكمل ما ينبغي باعتبار ما ظهر أمره وما خفي.

{ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ ٱللَّهَ } لأن لا تعبدوا. وقيل أن مفسرة لأن في تفصيل الآيات معنى القول، ويجوز أن يكون كلاماً مبتدأ للاغراء على التوحيد أو الأمر بالتبري من عبادة الغير كأنه قيل: ترك عبادة غير الله بمعنى الزموه أو اتركوها تركاً. { إِنَّنِى لَكُمْ مِّنْهُ } من الله. { نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ } بالعقاب على الشرك والثواب على التوحيد. { وَأَنِ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ } عطف على ألا تعبدوا. { ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ } ثم توسلوا إلى مطلوبكم بالتوبة فإن المعرض عن طريق الحق لا بد له من الرجوع. وقيل استغفروا من الشرك ثم توبوا إلى الله بالطاعة، ويجوز أن يكون ثم لتفاوت ما بين الأمرين. { يُمَتّعْكُمْ مَّتَاعًا حَسَنًا } يعيشكم في أمن ودعة. { إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى } هو آخر أعماركم المقدرة، أو لا يهلككم بعذاب الاستئصال والأرزاق والآجال، وإن كانت متعلقة بالأعمار لكنها مسماة بالإِضافة إلى كل أحد فلا تتغير. { وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ } ويعط كل ذي فضل في دينه جزاء فضله في الدنيا والآخرة، وهو وعد للموحد التائب بخير الدارين. { وَإِن تَوَلَّوْاْ } وإن تتولوا. { فَإِنّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ } يوم القيامة، وقيل يوم الشدائد وقد ابتلوا بالقحط حتى أكلوا الجيف. وقرىء { وَإِن تَوَلَّوْاْ } من ولي.

{ إِلَىٰ الله مَرْجِعُكُمْ } رجوعكم في ذلك اليوم وهو شاذ عن القياس. { وَهُوَ عَلَىٰ كُلّ شَىْء قَدِيرٌ } فيقدر على تعذيبكم أشد عذاب وكأنه تقدير لكبر اليوم.

{ أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ } يثنونها عن الحق وينحرفون عنه، أو يعطفونها على الكفر وعداوة النبي صلى الله عليه وسلم، أو يولون ظهورهم. وقرىء «يثنوني» بالياء والتاء من اثنوني، وهو بناء مبالغة و «تثنون»، وأصله تثنونن من الثن وهو الكلأ الضعيف أراد به ضعف قلوبهم أو مطاوعة صدورهم للثني، و «تثنئن» من اثنأن كأبياض بالهمزة و «تثنوي». { لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ } من الله بسرهم فلا يطلع رسوله والمؤمنين عليه. قيل إنها نزلت في طائفة من المشركين قالوا: إذا أرخينا ستورنا واستغشينا ثيابنا وطوينا صدورنا على عداوة محمد كيف يعلم. وقيل نزلت في المنافقين وفيه نظر إذ الآية مكية والنفاق حدث بالمدينة. { أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ } ألا حين يأوون إلى فراشهم ويتغطون بثيابهم. { يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ } في قلوبهم. { وَمَا يُعْلِنُونَ } بأفواههم يستوي في علمه سرهم وعلنهم فكيف يخفي عليه ما عسى يظهرونه. { إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } بالأسرار ذات الصدور أو بالقلوب وأحوالها.