الرئيسية - التفاسير


* تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق


{ لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ٱلْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } * { وَٱلَّذِينَ كَسَبُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ جَزَآءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَّا لَهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِّنَ ٱلْلَّيْلِ مُظْلِماً أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } * { وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَآؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَآؤُهُمْ مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ } * { فَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ } * { هُنَالِكَ تَبْلُواْ كُلُّ نَفْسٍ مَّآ أَسْلَفَتْ وَرُدُّوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ مَوْلاَهُمُ ٱلْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ }

{ لّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ٱلْحُسْنَىٰ } المثوبة الحسنى. { وَزِيَادَةٌ } وما يزيد على المثوبة تفضلاً لقوله:وَيَزِيدَهُم مّن فَضْلِهِ } [النور: 38] وقيل الحسنى مثل حسناتهم والزيادة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف وأكثر، وقيل الزيادة مغفرة من الله ورضوان، وقيل الحسنى الجنة والزيادة هي اللقاء. { وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ } لا يغشاها. { قَتَرٌ } غبرة فيها سواد. { وَلاَ ذِلَّةٌ } هوان، والمعنى لا يرهقهم ما يرهق أهل النار أو لا يرهقهم ما يوجب ذلك من حزن وسوء حال. { أُوْلَـئِكَ أَصْحَـٰبُ ٱلْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ } دائمون لا زوال فيها ولا انقراض لنعيمها بخلاف الدنيا وزخارفها.

{ وَٱلَّذِينَ كَسَبُواْ ٱلسَّيّئَاتِ جَزَاء سَيّئَةٍ بِمِثْلِهَا } عطف على قوله { لّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ٱلْحُسْنَىٰ } على مذهب من يجوز: في الدار زيد والحجرة عمرو، أو { لّلَّذِينَ } مبتدأ والخبر { جَزَاء سَيّئَةٍ بِمِثْلِهَا } على تقدير: وجزاء الذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها، أي أن تجازى سيئة بسيئة مثلها لا يزاد عليها، وفيه تنبيه على أن الزيادة هي الفضل أو التضعيف أو { كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ } ، أو أولئك أصحاب النار وما بينهما اعتراض فـ { جَزَاء سَيّئَةٍ } مبتدأ وخبره محذوف أي فجزاء سيئة بمثلها واقع، أو بمثلها على زيادة الباء أو تقدير مقدر بمثلها. { وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ } وقرىء بالياء. { مَّا لَهُمْ مّنَ ٱللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ } ما من أحد يعصمهم من سخط الله، أو من جهة الله ومن عنده كما يكون للمؤمنين. { كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ } غطيت. { وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِّنَ ٱلَّيْلِ مُظْلِماً } لفرط سوادها وظلمتها ومظلماً حال من الليل والعامل فيه { أُغْشِيَتْ } لأنه العامل في { قِطَعًا } وهو موصوف بالجار والمجرور، والعامل في الموصوف عامل في الصفة أو معنى الفعل في { مِّنَ ٱلَّيْلِ }. وقرأ ابن كثير والكسائي ويعقوب " قِطَعًا " بالسكون فعلى هذا يصح أن يكون { مُظْلِماً } صفة له أو حالاً منه. { أُولَـئِكَ أَصْحَـٰبُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ } مما يحتج به الوعيدية. والجواب أن الآية في الكفار لاشتمال السيئات على الكفر والشرك ولأن الذين أحسنوا يتناول أصحاب الكبيرة من أهل القبلة فلا يتناولهم قسيمة.

{ وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً } يعني الفريقين جميعاً. { ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ مَكَانَكُمْ } ألزموا مكانكم حتى تنظروا ما يفعل بكم. { أَنتُمْ } تأكيد للضمير المنتقل إليه من عامله. { وَشُرَكَاؤُكُمْ } عطف عليه وقرىء بالنصب على المفعول معه. { فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ } ففرقنا بينهم وقطعنا الوصل التي كانت بينهم. { وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ } مجاز عن براءة ما عبدوه من عبادتهم فإنهم إنما عبدوا في الحقيقة أهواءهم لأنها الآمرة بالإِشراك لا ما أشركوا به. وقيل ينطق الله الأصنام فتشافههم بذلك مكان الشفاعة التي يتوقعون منها. وقيل المراد بالشركاء الملائكة والمسيح وقيل الشياطين.

{ فَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ } فإنه العالم بكنه الحال. { إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَـٰفِلِينَ } { إِن } هي المخففة من الثقيلة واللام هي الفارقة.

السابقالتالي
2