الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ كَلاَّ لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعاً بِٱلنَّاصِيَةِ } * { نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ }

قوله تعالى: { كَلاَّ لَئِن لَّمْ يَنتَهِ } أي أبو جهل عن أذاك يا محمد. { لَنَسْفَعاً } أي لنأخذن { بِٱلنَّاصِيَةِ } فلنذلنه. وقيل: لنأخذن بناصيته يوم القيامة، وتُطْوَى مع قدميه، ويطرح في النار، كما قال تعالى:فَيُؤْخَذُ بِٱلنَّوَاصِي وَٱلأَقْدَامِ } [الرحمن: 41]. فالآية ـ وإن كانت في أبي جهل ـ فهي عِظة للناس، وتهديد لمن يمتنع أو يمنع غيره عن الطاعة. وأهل اللغة يقولون: سفَعْتَ بالشيء: إذا قبضت عليه وجذبته جذباً شديداً. ويقال: سَفَعَ بناصية فرسه. قال:
قَومٌ إذا كَثُر الصياح رأيتهمْ   مِنْ بينِ مُلْجِم مُهْرِهِ أو سافِعِ
وقيل: هو مأخوذ من سَفَعتْه النار والشمس: إذا غيرت وجهه إلى حال تسويد كما قال:
أثافِيَّ سُفعاً في مُعَرَّسِ مِرْجَلٍ   ونَؤْيٌ كجِذم الحوض أَثلَمَ خاشِع
والناصية: شعر مقدّم الرأس. وقد يعبر بها عن جملة الإنسان كما يقال: هذه ناصية مباركة إشارة إلى جميع الإنسان. وخص الناصية بالذكر على عادة العرب فيمن أرادوا إذلاله وإهانته أخذوا بناصيته. وقال المبرّد: السَّفْع: الجذب بشدّة أي لَنَجُرَّن بناصيته إلى النار. وقيل: السَّفْع الضرب أي لنلطُمَنّ وجهه. وكله متقارب المعنى. أي يجمع عليه الضرب عند الأخذ ثم يجرّ إلى جهنم. ثم قال على البدل: { نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ } أي ناصية أبي جهل كاذبة في قولها، خاطئةٍ في فعلها. والخاطىء معاقب مأخوذ. والمخطىء غير مأخوذ. ووصف الناصيةِ بالكاذبة الخاطئة، كوصفِ الوجوه بالنظر في قوله تعالى:إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } [القيامة: 23]. وقيل: أي صاحبها كاذب خاطىء كما يقال: نهاره صائم، وليله قائم أي هو صائم في نهاره، ثم قائم في ليله.