الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَوَجَدَكَ ضَآلاًّ فَهَدَىٰ }

أي غافلاً عما يراد بك من أمر النبوّة، فهداك: أي أرشدك. والضلال هنا بمعنى الغفلة كقوله جل ثناؤه:لاَّ يَضِلُّ رَبِّي وَلاَ يَنسَى } [طه: 52] أي لا يغفل. وقال في حق نبيه:وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ ٱلْغَافِلِينَ } [يوسف: 3]. وقال قوم: { ضَآلاًّ } لم تكن تدري القرآن والشرائع، فهداك الله إلى القرآن، وشرائع الإسلام عن الضحاك وشهر بن حوشب وغيرهما. وهو معنى قوله تعالى:مَا كُنتَ تَدْرِي مَا ٱلْكِتَابُ وَلاَ ٱلإِيمَانُ } [الشورى: 52]على ما بينا في سورة الشورى. وقال قوم: { وَوَجَدَكَ ضَآلاًّ } أي في قوم ضلال، فهداهم الله بك. هذا قول الكلبي والفرّاء. وعن السدي نحوه أي ووجد قومك في ضلال، فهداك إلى إرشادهم. وقيل: «ووجدك ضالاً» عن الهجرة، فهداك إليها. وقيل: «ضالاً» أي ناسياً شأن الاستثناء حين سُئلت عن أصحاب الكهف وذي القرنين والروح، فأذكرك كما قال تعالى:أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا } [البقرة: 282]. وقيل: ووجدك طالباً للقِبلة فهداك إليها بيانه:قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي ٱلسَّمَآءِ } [البقرة: 144] الآية. ويكون الضلال بمعنى الطلب لأن الضال طالب. وقيل: ووجدك متحيراً عن بيان ما نزل عليك، فهداك إليه فيكون الضلال بمعنى التحير لأن الضال متحير. وقيل: ووجدك ضائعاً في قومك فهداك إليه ويكون الضلال بمعنى الضياع. وقيل: ووجدك محِباً للهداية، فهداك إليها ويكون الضلال بمعنى المحبة. ومنه قوله تعالى:قَالُواْ تَٱللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ ٱلْقَدِيمِ } [يوسف: 95] أي في محبتك. قال الشاعر:
هذا الضلالُ أشاب مني المفرِقا   والعارِضَيْنِ ولم أكن متحققا
عجباً لعزةَ في اختيار قطيعتي   بعد الضلال فحبلها قد أخلقا
وقيل: «ضالا» في شِعاب مكة، فهداك وردّك إلى جدّك عبد المطلب. قال ابن عباس: ضل النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو صغير في شِعاب مكة، فرآه أبو جهل منصرفاً عن أغنامه، فردّه إلى جده عبد المطلب فمنّ الله عليه بذلك، حين ردّه إلى جده على يدي عدوّه. وقال سعيد بن جبير: خرج النبيّ صلى الله عليه وسلم مع عمه أبي طالب في سفر، فأخذ إبليس بزمام الناقة في ليلة ظَلْماء، فعدل بها عن الطريق، فجاء جبريل عليه السلام، فنفخ إبليس نفخة وقع منها إلى أرض الهند، وردّه إلى القافلة فمنّ الله عليه بذلك. وقال كعب: إن حليمة لما قضت حق الرضاع، جاءت برسول الله صلى الله عليه وسلم لتردّه على عبد المطلب، فسمعت عند باب مكة: هنيئاً لك يا بطحاء مكة، اليوم يرد إليك النور والدين والبهاء والجمال. قالت: فوضعته لأُصلِح ثيابي، فسمعت هدّة شديدة، فالتفت فلم أره، فقلت: مَعْشَرَ الناس، أين الصبيّ؟ فقالوا: لم نر شيئاً فصحت: وامحمداه! فإذا شيخ فانٍ يتوكأ على عصاه، فقال: اذهبي إلى الصنم الأعظم فإن شاء أن يردّه عليك فعل.

السابقالتالي
2