الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ فَأَمَّا ٱلْيَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ } * { وَأَمَّا ٱلسَّآئِلَ فَلاَ تَنْهَرْ } * { وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ }

فيه أربع مسائل: الأولى: قوله تعالى: { فَأَمَّا ٱلْيَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ } أي لا تَسَلَّطْ عليه بالظلم، ادفع إليه حقه، واذكر يتمك قاله الأخفش. وقيل: هما لغتان بمعنى. وعن مجاهد «فلا تقهر» فلا تَحْتَقِرْ. وقرأ النخَعِيّ والأشهب العُقَيليّ «تَكْهر» بالكاف، وكذلك هو في مصحف ابن مسعود. فعلى هذا يحتمل أن يكون نهياً عن قهره، بظلمه وأخذ ماله. وخص اليتيم لأنه لا ناصر له غير الله تعالى فغلَّظ في أمره، بتغليظ العقوبة على ظالمه. والعرب تعاقب بين الكاف والقاف. النحاس: وهذا غلط، إنما يقال كَهَره: إذا اشتدّ عليه وغَلَّظ. وفي صحيح مسلم من حديث معاوية بن الحكم السلمِي، حين تكلم في الصلاة بردّ السلام، قال: فبأبي هو وأمي! ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه ـ يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ فوالله ما كَهَرَني، ولا ضربني، ولا شتمني... الحديث. وقيل: القهر الغلبة. والكَهْر: الزجر. الثانية: ودلت الآية على اللطف باليتيم، وبِره والإحسان إليه حتى قال قتادة: كن لليتيم كالأب الرحيم. وروِي عن أبي هريرة: " أن رجلاً شكا إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم قسوة قلبه فقال: «إن أردت أن يلين، فامسح رأس اليتيم، وأطعم المسكين» " وفي الصحيح عن أبي هريرة: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أنا وكافل اليتيم له أو لغيره كهاتين»وأشار بالسبابة والوُسطى " ومن حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن اليتيم إذا بكى اهتز لبكائه عرش الرحمن، فيقول الله تعالى لملائكته: يا ملائكتي، من ذا الذي أبكى هذا اليتيم الذي غيبت أباه في التراب، فتقول الملائكة ربنا أنت أعلم، فيقول الله تعالى لملائكته: يا ملائكتي، اشهدوا أن من أَسْكَتَه وأرضاه؟ أن أرضِيه يوم القيامة " فكان ابن عمر إذا رأى يتيماً مسح برأسه، وأعطاه شيئاً. وعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من ضم يتيماً فكان في نفقته، وكفاه مؤونته، كان له حجاباً من النار يوم القيامة، ومن مسح برأس يتيم كان له بكل شعرة حسنة " وقال أكثم بن صَيفِيّ: الأذلاّء أربعة: النمام، والكذاب، والمديون، واليتيم. الثالثة: قوله تعالى: { وَأَمَّا ٱلسَّآئِلَ فَلاَ تَنْهَرْ } أي لا تزجره فهو نهي عن إغلاظ القول. ولكن رُدَّه ببذل يسير، أو ردّ جميل، واذكر فقرك قاله قتادة وغيره. وروي عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يمنعن أحدُكم السائلَ، وأن يعطِيه إذا سأل، ولو رأى في يده قُلْبين من ذهب "

السابقالتالي
2 3