الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَٱتَّقَىٰ } * { وَصَدَّقَ بِٱلْحُسْنَىٰ } * { فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ } * { وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَٱسْتَغْنَىٰ } * { وَكَذَّبَ بِٱلْحُسْنَىٰ } * { فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ }

فيه أربع مسائل: الأولى: قوله تعالى: { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَٱتَّقَىٰ } قال ابن مسعود: يعني أبا بكر رضي الله عنه وقاله عامة المفسرين. فروِي عن عامر بن عبد الله بن الزبير قال: كان أبو بكر يُعْتق على الإسلام عجائز ونساء، قال: فقال له أبوه قحافة: أي بني! لو أنك أعتقت رجالاً جُلْداً يمنعونك ويقومون معك؟ فقال: يا أبت إنما أريد ما أريد. وعن ابن عباس في قوله تعالى: { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ } أي بذل. { وَٱتَّقَىٰ } أي محارم الله التي نَهَى عنها. { وَصَدَّقَ بِٱلْحُسْنَىٰ } أي بالخَلَف من الله تعالى على عطائه. { فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ } وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ومَلَكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعطِ منفقاً خَلَفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تَلَفاً " وروي من حديث أبي الدرداء: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ما من يوم غَرَبَت شمسه إلا بُعِث بجنبتها ملكان يناديان يسمعهما خلق الله كلهم إلا الثَّقَلين: اللهم أعط منفقاً خلفاً، وأَعطِ ممسِكاً تلفاً " فأنزل الله تعالى في ذلك في القرآن { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ }... الآيات. وقال أهل التفسير: { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ } المُعْسِرين. وقال قتادة: أعطى حق الله تعالى الذي عليه. وقال الحسن: أعطى الصدق من قلبه. { وَصَدَّقَ بِٱلْحُسْنَىٰ } أي بلا إله إلا الله قاله الضحاك والسلمي وابن عباس أيضاً. وقال مجاهد: بالجنة دليله قوله تعالى:لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ٱلْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ } [يونس: 26]... الآية. وقال قتادة: بموعود الله الذي وعده أن يثيبه. زيد بن أسلم: بالصلاة والزكاة والصوم. الحسن: بالخَلَف من عطائه وهو اختيار الطبريّ. وتقدم عن ابن عباس، وكله متقارب المعنى إذ كله يرجع إلى الثواب الذي هو الجنة. الثانية: قوله تعالى: { فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ } أي نرشده لأسباب الخير والصلاح، حتى يسهل عليه فعلها. وقال زيد بن أسلم: «لليسرى» للجنة. وفي الصحيحين والترمذي " عن عليّ رضي الله عنه قال: كنا في جنازة بالبقِيع، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فجلس وجلسنا معه، ومعه عود ينكُتُ به في الأرض، فرفع رأسه إلى السماء فقال: «ما مِن نفسٍ منفوسةٍ إلا قد كتِب مدخلها» فقال القوم: يا رسول الله، أفلا نتكِل على كتابنا؟ فمن كان من أهل السعادة فإنه يعمل للسعادة، ومن كان من أهل الشقاء فإنه يعمل للشقاء. قال: «بل اعملوا فكل ميسر أما من كان من أهل السعادة فإنه يُيَسَّر لعمل السعادة، وأما من كان من أهل الشقاء فإنه ييسر لعمل الشقاء ـ ثم قرأ ـ { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَٱتَّقَىٰ * وَصَدَّقَ بِٱلْحُسْنَىٰ * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ * وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَٱسْتَغْنَىٰ * وَكَذَّبَ بِٱلْحُسْنَىٰ * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ } » "

السابقالتالي
2