الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً وَلاَ تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ }

فيه إحدى عشرة مسألة: الأولىٰ ـ روي أن هذه الآية نزلت في شأن عبد الله بن أبي بن سَلُول وصلاةِ النبيّ صلى الله عليه وسلم. ثبت ذلك في الصحيحين وغيرهما. وتظاهرت الروايات بأن النبيّ صلى الله عليه وسلم، وأن الآية نزلت بعد ذلك. وُروي عن أنس بن مالك " أن النبيّ صلى الله عليه وسلم لما تقدّم ليصلي عليه جاءه جبريل فَجبذ ثوبه وتلا عليه { وَلاَ تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً } الآية فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يصلّ عليه " والروايات الثابتة على خلاف هذا ففي البخاري عن ابن عباس قال: " فصلّىٰ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم انصرف، فلم يمكث إلا يسيراً حتى نزلت الآيتان من «براءة» " { وَلاَ تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً }. ونحوه عن ابن عمر خرّجه مسلم. قال ابن عمر: " لما تُوْفِّيَ عبد الله بن أبيّ بن سَلُول جاء ابنه عبد الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله أن يعطيه قميصه يكفّن فيه أباه فأعطاه ثم سأله أن يصلّي عليه، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلّي عليه، فقام عمر وأخذ بثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أتصلي عليه وقد نهاك الله أن تصلّي عليه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما خَيّرني الله تعالىٰ فقال: { ٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً } وسأزيد على سبعين» قال: إنه منافق. فصلّىٰ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل { وَلاَ تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً وَلاَ تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ } فترك الصلاة عليهم " وقال بعض العلماء: إنما صلىٰ النبيّ صلى الله عليه وسلم على عبد الله بن أبيّ بناء على الظاهر من لفظ إسلامه. ثم لم يكن يفعل ذلك لمّا نُهي عنه. الثانية ـ إن قال قائل فكيف قال عمر: أتصلّي عليه وقد نهاك الله أن تصلي عليه ولم يكن تقدّم نهي عن الصلاة عليهم. قيل له: يحتمل أن يكون ذلك وقع له في خاطره، ويكون من قبيل الإلهام والتحدّث الذي شهد له به النبيّ صلى الله عليه وسلم، وقد كان القرآن ينزل على مراده، كما قال: وافقتُ ربيِّ في ثلاث. وجاء: في أربع. وقد تقدّم في البقرة. فيكون هذا من ذلك. ويحتمل أن يكون فهم ذلك من قوله تعالىٰ: { ٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ } الآية. لا أنه كان تقدّم نهي على ما دلّ عليه حديث البخاريّ ومسلم. والله أعلم. قلت: ويحتمل أن يكون فهِمه من قوله تعالىٰ:

السابقالتالي
2 3 4