الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ يَلْمِزُونَ ٱلْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ ٱللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }

قوله تعالىٰ: { ٱلَّذِينَ يَلْمِزُونَ ٱلْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ } هذا أيضاً من صفات المنافقين. قال قتادة: «يَلْمِزُونَ» يعيبون. قال: وذلك أن عبد الرحمن بن عوف تصدق بنصف ماله وكان مالُه ثمانية آلاف فتصدق منها بأربعة آلاف. فقال قوم: ما أعظم رياءه فأنزل الله: { ٱلَّذِينَ يَلْمِزُونَ ٱلْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ }. وجاء رجل من الأنصار بنصف صُبرة من تمره فقالوا: ما أغنىٰ الله عن هذا فأنزل الله عز وجل { وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ } الآية. وخرّج مسلم عن أبي مسعود قال: أمرنا بالصدقة قال: كنا نحامل، في رواية: على ظهورنا ـ قال: فتصدّق أبو عقيل بنصف صاع. قال: وجاء إنسان بشيء أكثر منه فقال المنافقون: إن الله لغنيً عن صدقة هذا، وما فعل هذا الآخر إلا رياء: فنزلت: { ٱلَّذِينَ يَلْمِزُونَ ٱلْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ }. يعني أبا عقيل. واسمه الحَبْحاب. والجُهْد: شيء قليل يعيش به المُقِلّ. والجُهْد والجَهْد بمعنىً واحد. وقد تقدّم. و «يَلْمِزُونَ» يعيبون. وقد تقدّم و «الْمُطَّوِّعينَ» أصله المتطوعين أدغمت التاء في الطاء وهم الذين يفعلون الشيء تبرعاً من غير أن يجب عليهم. «وَالَّذِينَ» في موضع خفض عطف على «الْمُؤْمِنِينَ». ولا يجوز أن يكون عطفاً على الاسم قبل تمامه. و { فَيَسْخَرُونَ } عطف على «يَلْمِزُونَ». { سَخِرَ ٱللَّهُ مِنْهُمْ } خبر الابتداء، وهو دعاء عليهم. وقال ابن عباس: هو خبر أي سخر منهم حيث صاروا إلى النار. ومعنىٰ سخر الله مجازاتهم على سخريتهم. وقد تقدّم في «البقرة».