الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ ٱلْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ وَمَا نَقَمُوۤاْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْراً لَّهُمْ وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ ٱللَّهُ عَذَاباً أَلِيماً فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي ٱلأَرْضِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ }

فيه ست مسائل: الأُولى ـ قوله تعالى: { يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ مَا قَالُواْ } رُوي أن هذه الآية نزلت في الجُلاَس بن سُويد بن الصامت، ووديعة بن ثابت وقعوا في النبيّ صلى الله عليه وسلم وقالوا: والله لئن كان محمد صادقاً على إخواننا الذين هم ساداتنا وخيارنا لنحن شر من الحمير. فقال له عامر بن قيس: أجل! والله إن محمداً لصادق مصدَّق وإنك لشر من حمار. وأخبر عامر بذلك النبيّ صلى الله عليه وسلم. وجاء الجُلاَس فحلف بالله عند منبر النبيّ صلى الله عليه وسلم إن عامراً لكاذب. وحلف عامر لقد قال، وقال: اللّهُمّ أنزل على نبيّك الصادق شيئاً، فنزلت. وقيل: إن الذي سمعه عاصم بن عدِيّ. وقيل حذيفة. وقيل: بل سمعه ولد ٱمرأته وٱسمه عمير بن سعد فيما قال ابن إسحاق. وقال غيره: اسمه مصعب. فهمّ الجُلاَس بقتله لئلا يخبر بخبره ففيه نزل: { وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ }. قال مجاهد: وكان الجُلاَس لما قال له صاحبه إني سأُخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقولك همّ بقتله، ثم لم يفعل، عجز عن ذلك. قال، ذلك هي الإشارة بقوله، { وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ }. وقيل: إنها نزلت في عبد الله بن أُبَيّ، رأى رجلاً من غِفار يتقاتل مع رجل من جُهينة، وكانت جُهينة حلفاء الأنصار، فعلا الغِفارِيُّ الجُهَنِيّ. فقال ٱبن أُبيّ: يا بني الأَوْسِ والخزرج، انصروا أخاكم! فوالله ما مَثَلُنا ومثل محمد إلا كما قال القائل: «سَمِّن كَلْبَك يأكلك»، ولئن رجعنا إلى المدينة ليُخرجنّ الأعزُّ منها الأذَلَّ. فأخبر النبيّ صلى الله عليه وسلم بذلك، فجاءه عبد الله بن أُبيّ فحلف أنه لم يقله قاله قتادة. وقول ثالث أنه قول جميع المنافقين قاله الحسن. ٱبن العربيّ: وهو الصحيح لعموم القول ووجود المعنى فيه وفيهم، وجملة ذلك اعتقادهم فيه أنه ليس بنبيّ. الثانية ـ قوله تعالى: { وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ ٱلْكُفْرِ } قال النقاش: تكذيبهم بما وعد الله من الفتح. وقيل: «كلمة الكفر» قول الجُلاس: إن كان ما جاء به محمد حقاً لنحن أشر من الحمير. وقول عبد الله بن أُبيّ: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعز منها الأذل. قال القشيريّ: كلمة الكفر سبُّ النبيّ صلى الله عليه وسلم والطعنُ في الإسلام. { وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ } أي بعد الحكم بإسلامهم. فدلّ هذا على أن المنافقين كفار، وفي قوله تعالى:ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُواّ ثُمَّ كَفَرُوا } [المنافقون: 3] دليل قاطع. ودلّت الآية أيضاً على أن الكفر يكون بكل ما يناقض التصديق والمعرفة وإن كان الإيمان لا يكون إلا بلا إلۤه إلا الله دون غيره من الأقوال والأفعال إلا في الصلاة. قال إسحاق ابن رَاهْوَيه: ولقد أجمعوا في الصلاة على شيء لم يجمعوا عليه في سائر الشرائع لأنهم بأجمعهم قالوا: من عُرف بالكفر ثم رأُوه يصلي الصلاة في وقتها حتى صلّى صلوات كثيرةً، ولم يعلموا منه إقراراً باللسان أنه يحكم له بالإيمان، ولم يحكموا له في الصوم والزكاة بمثل ذلك.

السابقالتالي
2