الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّمَا ٱلصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَآءِ وَٱلْمَسَاكِينِ وَٱلْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَٱلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي ٱلرِّقَابِ وَٱلْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }

فيه ثلاثون مسألة: الأُولىٰ ـ قوله تعالىٰ: { إِنَّمَا ٱلصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَآءِ } خص الله سبحانه بعض الناس بالأموال دون بعض نعمة منه عليهم، وجعل شكر ذلك منهم إخراجَ سهم يؤدّونه إلى من لا مال له، نيابة عنه سبحانه فيما ضمِنه بقوله:وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ رِزْقُهَا } [هود: 6]. الثانية ـ قوله تعالىٰ: { لِلْفُقَرَآءِ } تبيِين لمصارف الصدقات والمحلّ حتى لا تخرج عنهم. ثم الإختيار إلى مَن يقسم هذا قول مالك وأبي حنيفة وأصحابهما. كما يُقال: السّرج للدابة والباب للدار. وقال الشافعيّ: اللام لام التمليك كقولك: المال لزيد وعمرو وبكر، فلا بدّ من التسوية بين المذكورين. قال الشافعيّ وأصحابه: وهذا كما لو أوْصَى لأصناف معينين أو لقوم معيّنين. واحتجوا بلفظه «إنما» وأنها تقتضي الحصر في وقوف الصدقات على الثمانية الأصناف، وعَضَدُوا هذا بحديث " زياد بن الحارث الصُّدّائيّ قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبعث إلى قومي جيشاً فقلت: يا رسول الله، ٱحبس جيشك فأنَا لك بإسلامهم وطاعتهم، وكتبتُ إلى قومي فجاء إسلامهم وطاعتهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أخا صُداء المطاعُ في قومه». قال: قلت بل مَنّ الله عليهم وهداهم قال: ثم جاءه رجل يسأله عن الصدقات، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله لم يرض في الصدقات بحكم نبيّ ولا غيره حتى جزّأها ثمانية أجزاء فإن كنت من أهل تلك الأجزاء أعطيتك» " رواه أبو داود والدَّارَقُطْنِيّ. واللفظ للدارقطني. وحكي عن زين العابدين أنه قال: إنه تعالىٰ علّم قدر ما يدفع من الزكاة وما تقع به الكفاية لهذه الأصناف، وجعله حقاً لجميعهم، فمن منعهم ذلك فهو الظالم لهم رزقهم. وتمسك علماؤنا بقوله تعالىٰ:إِن تُبْدُواْ ٱلصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا ٱلْفُقَرَآءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ } [البقرة: 271]. والصدقة متى أطلقت في القرآن فهي صدقة الفرض. وقال صلى الله عليه وسلم: " أُمِرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم وأردّها على فقرائكم " وهذا نص في ذكر أحد الأصناف الثمانية قرآنا وسنة وهو قول عمر بن الخطاب وعليّ وٱبن عباس وحُذيفة. وقال به من التابعين جماعة. قالوا: جائز أن يدفعها إلى الأصناف الثمانية، وإلى أي صنف منها دفعتَ جاز. روى المِنْهال بن عمرو عن زِرّ بن حُبيش عن حُذيفة في قوله: { إِنَّمَا ٱلصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَآءِ وَٱلْمَسَاكِينِ } قال: إنما ذكر الله هذه الصدقات لتُعرف، وأيّ صنف منها أعطيتَ أجزأك. وروى سعيد بن جُبير عن ٱبن عباس { إِنَّمَا ٱلصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَآءِ وَٱلْمَسَاكِينِ } قال: في أيها وضعت أجزأ عنك. وهو قول الحسن وإِبراهيم وغيرهما. قال الكِيَا الطبريّ: حتى ٱدعى مالك الإجماع على ذلك.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد