الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ ٱلْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّالِمِينَ }

قوله تعالىٰ: { لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً } هو تسلية للمؤمنين في تخلف المنافقين عنهم. والخبال: الفساد والنميمة وإيقاع الاختلاف والأراجيف. وهذا استثناء منقطع أي ما زادوكم قوة ولكن طلبوا الخبال، وقيل: المعنىٰ لا يزيدونكم فيما يترددون فيه من الرأي إلا خبالاً فلا يكون الاستثناء منقطعاً. قوله تعالىٰ: { ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ } المعنىٰ لأسرعوا فيما بينكم بالإفساد. والإيضاع، سرعة السير. وقال الراجز:
يا ليتني فيها جَذَعْ   أَخُبُّ فيها وَأَضَعْ
يقال: وَضع البعيرُ إذا عدا، يضع وضعاً ووضوعاً إذا أسرع السير. وأوضعته حملته على العَدْوِ. وقيل: الإيضاع سير مثلُ الخَبَب. والخلل الفرجة بين الشيئين والجمع الخلال، أي الفُرَج التي تكون بين الصفوف. أي لأوضعوا خلالكم بالنميمة وإفساد ذات البين. { يَبْغُونَكُمُ ٱلْفِتْنَةَ } مفعول ثانٍ. والمعنىٰ يطلبون لكم الفتنة أي الإفساد والتحريض. ويقال: أبغيته كذا أعنته على طلبه. وبَغَيته كذا طلبته له. وقيل: الفتنة هنا الشرك. { وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ } أي عيون لهم ينقلون إليهم الأخبار منكم. قتادة: وفيكم من يقبل منهم قولهم ويطيعهم. النحاس: القول الأوّل أولىٰ لأنه الأغلب من معنييه أن معنىٰ سَمّاع يسمع الكلام: ومثله:سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ } [المائدة: 42]. والقول الثاني ـ لا يكاد يقال فيه إلا سامع مثل قائل.