الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱنْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ذٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ }

فيه سبع مسائل: الأُولى ـ روى سفيان عن حُصين بن عبد الرّحمن عن أبي مالك الغِفاريّ قال: أوّل ما نزل من سورة براءة { ٱنْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً }. وقال أبو الضُّحا كذلك أيضاً. قال: ثم نزل أوّلها وآخرها. الثانية ـ قوله تعالىٰ: { ٱنْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً } نصب على الحال، وفيه عشرة أقوال: الأوّل ـ يذكر عن ابن عباس «ٱنْفِرُوا ثُبَاتٍ»: سَرَايَا متفرّقين. الثاني ـ روي عن ابن عباس أيضاً وقتادة: نشاطاً وغير نشاط. الثالث ـ الخفيفُ: الغنيُّ، والثقيلُ: الفقير قاله مجاهد. الرابع ـ الخفيف: الشاب، والثقيل: الشيخ قاله الحسن. الخامس ـ مشاغيل وغير مشاغيل قاله زيد بن عليّ والحكم بن عتيبة. السادس ـ الثقيل: الذي له عيال، والخفيف: الذي لا عيال له قاله زيد بن أسلم. السابع الثقيل: الذي له ضَيْعة يكره أن يدعها، والخفيف: الذي لا ضيعة له قاله ابن زيد. الثامن ـ الخفاف: الرجال، والثقال: الفرسان قاله الأوزاعيّ. التاسع ـ الخفاف: الذين يسبقون إلى الحرب كالطليعة وهو مقدّم الجيش، والثقال: الجيش بأسْره. العاشر ـ الخفيف: الشجاع، والثقيل: الجبان حكاه النقاش. والصحيح في معنى الآية أن الناس أُمِروا جُملةً أي انفروا خفّت عليكم الحركة أو ثقلت. ورُوي أن ابن أُمّ مكتوم جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له: أعليّ أن أنفر؟ فقال: «نعم» حتى أنزل الله تعالىٰلَّيْسَ عَلَى ٱلأَعْمَىٰ حَرَجٌ } [النور: 61]. وهذه الأقوال إنما هي على معنى المثال في الثقل والخفة. الثالثة ـ وٱختلف في هذه الآية فقيل إنها منسوخة بقوله تعالىٰ:لَّيْسَ عَلَى ٱلضُّعَفَآءِ وَلاَ عَلَىٰ ٱلْمَرْضَىٰ } [التوبة: 91]. وقيل: الناسخ لها قوله:فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ } [التوبة: 122]. والصحيح أنها ليست بمنسوخة. روى ابن عباس عن أبي طلحة في قوله تعالىٰ: { ٱنْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً } قال شبانا وكهولاً، ما سمع الله عُذْر أحد. فخرج إلى الشام فجاهد حتى مات رضي الله عنه. وروى حماد عن ثابت وعليّ بن زيد عن أنس أن أبا طلحة قرأ سورة «براءة» فأتى على هذه الآية { ٱنْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً } فقال: أي بنيّ، جَهّزُوني جهزوني. فقال بنوه: يرحمك الله! لقد غزوتَ مع النبيّ صلى الله عليه وسلم حتى مات، ومع أبي بكر حتى مات، ومع عمر حتى مات، فنحن نغزو عنك. قال: لا، جهّزوني. فغزا في البحر فمات في البحر، فلم يجدوا له جزيرة يدفنونه فيها إلاَّ بعد سبعة أيام فدفنوه فيها، ولم يتغيّر رضي الله عنه. وأسند الطبريّ عمن رأى المِقداد بن الأسود بِحمص على تابوت صَرّاف، وقد فضل على التابوت من سِمَنه وهو يتجهّز للغَزْو. فقيل له: لقد عذرك الله. فقال: أتت علينا سورة البعوث { ٱنْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً }.

السابقالتالي
2 3