الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّمَا ٱلنَّسِيۤءُ زِيَادَةٌ فِي ٱلْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِّيُوَاطِئُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوۤءُ أَعْمَالِهِمْ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْكَافِرِينَ }

قوله تعالى: { إِنَّمَا ٱلنَّسِيۤءُ زِيَادَةٌ فِي ٱلْكُفْرِ } هكذا يقرأ أكثر الأئمة. قال النحاس: ولم يَرو أحد عن نافع فيما علمناه «إنَّمَا النَّسِيُّ» بلا همز إلا وَرْشٌ وحده. وهو مشتق من نسأه وأنسأه إذا أخره حكى اللغتين الكسائي. الجوهريّ: النّسِيء فعيل بمعنى مفعول من قولك: نسأت الشيء فهو منسوء إذا أخرته. ثم يحوّل منسوء إلى نسيء كما يحوّل مقتول إلى قتيل. ورجل ناسىء وقوم نَسَأة، مثلُ فاسق وفسقة. قال الطبريّ: النسيء بالهمزة معناه الزيادة يقال: نسأ ينسأ إذا زاد. قال: ولا يكون بترك الهمز إلا من النسيان كما قال تعالى:نَسُواْ ٱللَّهَ فَنَسِيَهُمْ } [التوبة: 67]، وردّ على نافع قراءته، واحتجّ بأن قال: إنه يتعدّى بحرف الجر يقال: نسأ الله في أجلك كما تقول زاد الله في أجلك ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: " من سَرّه أن يُبْسَط له في رزقه ويُنْسأ له في أَثَره فلْيصل رَحمه " قال الأزهريّ: أنسأت الشيء إنساء ونسيئا اسم وضع موضع المصدر الحقيقيّ. وكانوا يحرّمون القتال في المحرّم، فإذا احتاجوا إلى ذلك حَرّموا صَفَراً بدله وقاتلوا في المحرّم. وسبب ذلك أن العرب كانت أصحابَ حروب وغارات، فكان يشق عليهم أن يمكثوا ثلاثة أشهر متوالية لا يغيرون فيها وقالوا: لئن توالت علينا ثلاثة أشهر لا نُصيب فيها شيئاً لنهلكنّ. فكانوا إذا صدروا عن مِنًى يقوم من بني كنانة، ثم من بني فُقَيم منهم رجل يقال له القَلَمّس فيقول أنا الذي لا يُردّ لي قضاء. فيقولون: أنسئنا شهراً، أي أخّر عنا حُرمة المحرّم واجعلها في صفر فيحلّ لهم المحرّم. فكانوا كذلك شهراً فشهراً حتى ٱستدار التحريم على السَّنة كلها. فقام الإسلام وقد رجع المحرّم إلى موضعه الذي وضعه الله فيه. وهذا معنى قوله عليه السلام: " إن الزمان قد ٱستدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض " وقال مجاهد: كان المشركون يحجّون في كل شهر عامين فحجّوا في ذي الحجة عامين، ثم حجوا في المحرّم عامين، ثم حجوا في صفر عامين، وكذلك في الشهور كلها حتى وافقت حجّة أبي بكر التي حجها قبل حجّة الوداع ذا القَعدة من السنة التاسعة. ثم حج النبيّ صلى الله عليه وسلم في العام المقبل حجة الوداع فوافقت ذا الحجة فذلك قوله في خطبته: " إن الزمان قد ٱستدار " الحديث. أراد بذلك أن أشهر الحج رجعت إلى مواضعها، وعاد الحج إلى ذي الحِجة وبطل النسيء. وقول ثالث. قال إياس بن معاوية: كان المشركون يحسبُون السنة اثني عشر شهراً وخمسة عشر يوماً فكان الحج يكون في رمضان وفي ذي القَعدة، وفي كل شهر من السنة بحكم استدارة الشهر بزيادة الخمسة عشر يوماً، فحج أبو بكر سنة تسع في ذي القَعدة بحكم الاستدارة، ولم يحج النبيّ صلى الله عليه وسلم فلما كان في العام المقبل وافق الحج ذا الحجة في العشر، ووافق ذلك الأهِلة.

السابقالتالي
2 3