الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّمَا ٱلْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـٰذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَآءَ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }

فيه سبع مسائل: الأُولى ـ قوله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّمَا ٱلْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ } ابتداء وخبر. واختلف العلماء في معنى وصف المشرك بالنّجس فقال قَتادة ومَعْمر بن راشد وغيرهما: لأنه جُنُب إذ غسله من الجنابة ليس بغسل. وقال ابن عباس وغيره: بل معنى الشرك هو الذي نجسه. قال الحسن البصرِيّ من صافح مشركاً فليتوضأ. والمذهب كله على إيجاب الغسل على الكافر إذا أسلم إلا ٱبن عبد الحكم فإنه قال: ليس بواجب لأن الإسلام يهدم ما كان قبله. وبوجوب الغسل عليه قال أبو ثور وأحمد. وأسقطه الشافعيّ وقال: أحبّ إليّ أن يغتسل. ونحوه لابن القاسم. ولمالك قول: إنه لا يعرف الغسل رواه عنه ابن وهب وابن أبي أوَيس. وحديث ثُمامة وقيس بن عاصم يردّ هذه الأقوال. رواهما أبو حاتم البستيّ في صحيح مسنده: و " أن النبيّ صلى الله عليه وسلم مَرّ بثُمامة يوماً فأسلم، فبعث به إلى حائط أبي طلحة فأمره أن يغتسل، فاغتسل وصلّى ركعتين. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد حَسُن إسلامُ صاحبكم» " وأخرجه مسلم بمعناه. وفيه: أن ثمامة لما منّ عليه النبيّ صلى الله عليه وسلم انطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل: وأمر قيس بن عاصم أن يغتسل بماء وسِدْر. فإن كان إسلامه قُبيل احتلامه فغسله مستحب. ومتى أسلم بعد بلوغه لزمه أن ينوي بغسله الجنابة. هذا قول علمائنا، وهو تحصيل المذهب. وقد أجاز ابن القاسم للكافر أن يغتسل قبل إظهاره للشهادة بلسانه، إذا اعتقد الإسلام بقلبه وهو قول ضعِيف في النظر مخالف للأثر. وذلك أن أحداً لا يكون بالنيّة مسلماً دون القول. هذا قول جماعة أهل السنة في الإيمان: إنه قول باللسان وتصديق بالقلب، ويَزْكُو بالعمل. قال الله تعالى:إِلَيْهِ يَصْعَدُ ٱلْكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ وَٱلْعَمَلُ ٱلصَّالِحُ يَرْفَعُهُ } [فاطر: 10]. الثانية ـ قوله تعالى: { فَلاَ يَقْرَبُواْ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ } «فَلاَ يَقْرَبُوا» نهي ولذلك حذفت منه النون. «المسجِد الحرام» هذا اللفظ يطلق على جميع الحرَم، وهو مذهب عطاء فإذاً يُحرم تمكين المشرك من دخول الحَرَم أجمع. فإذا جاءنا رسول منهم خرج الإمام إلى الحِل ليسمع ما يقول. ولو دخل مشرك الحَرَم مستوراً ومات نُبش قبره وأخرجت عظامه. فليس لهم الاستيطان ولا الاجتياز. وأما جزيرة العرب، وهي مكة والمدينة واليمامة واليمن ومَخالِيفها، فقال مالك: يخرج من هذه المواضع كلّ من كان على غير الإسلام، ولا يمنعون من التردد بها مسافرين. وكذلك قال الشافعيّ رحمه الله غير أنه ٱستثنى من ذلك اليمنَ. ويُضرب لهم أجل ثلاثة أيام كما ضَربه لهم عمر رضي الله عنه حين أجلاهم. ولا يدفنون فيها ويلجئون إلى الحل. الثالثة ـ واختلف العلماء في دخول الكفار المساجد والمسجد الحرام على خمسة أقوال فقال أهل المدينة: الآية عامّة في سائر المشركين وسائر المساجد.

السابقالتالي
2 3 4 5