الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ مَا كَانَ لأَهْلِ ٱلْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِّنَ ٱلأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ ٱللَّهِ وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنْفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلاَ يَطَأُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ ٱلْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ } * { وَلاَ يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِياً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ ٱللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }

فيه ست مسائل: الأُولى ـ قوله تعالى: { مَا كَانَ لأَهْلِ ٱلْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِّنَ ٱلأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ ٱللَّهِ } ظاهره خبر ومعناه أمر كقوله:وَمَا كان لكم أن تؤذوا رسول الله } [الأحزاب: 53] وقد تقدّم. «أَنْ يَتَخَلَّفُوا» في موضع رفع اسم كان. وهذه معاتبة للمؤمنين من أهل يَثْرِب وقبائِل العرب المجاوِرة لها كمُزَيْنَة وجُهينة وأَشْجَع وغِفَار وأسْلم على التخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تَبُوك. والمعنى: ما كان لهؤلاء المذكورين أن يتخلفوا فإن النفير كان فيهم، بخلاف غيرهم فإنهم لم يُستنفَروا في قول بعضهم. ويحتمل أن يكون الاستنفار في كل مسلم، وخصّ هؤلاء بالعتاب لقربهم وجوارهم، وأنهم أحقُّ بذلك من غيرهم. الثانية ـ قوله تعالى: { وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنْفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ } أي لا يرضوا لأنفسهم بالخفض والدَّعة ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم في المشقة. يقال: رغِبت عن كذا أي ترفَّعت عنه. الثالثة ـ قوله تعالى: { ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ } أي عطش. وقرأ عبيد بن عمير «ظماء» بالمد. وهما لغتان مثل خطأ وخطاء. { وَلاَ نَصَبٌ } عطف، أي تعب، ولا زائدة للتوكيد. وكذا { وَلاَ مَخْمَصَةٌ } أي مجاعة. وأصله ضمور البطن ومنه رجل خميص وٱمرأة خُمَصانة. وقد تقدّم. { فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } أي في طاعته. { وَلاَ يَطَأُونَ مَوْطِئاً } أي أرضاً. { يَغِيظُ ٱلْكُفَّارَ } أي بوطئهم إياها، وهو في موضع نصب لأنه نعت للمَوْطىء، أي غائظاً. { وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً } أي قتلاً وهزيمة. وأصله من نِلْت الشيء أنال أي أصبت. قال الكسائي: هو من قولهم أمرٌ مَنيل منه وليس هو من التناول، إنما التناول من نُلْته العطية. قال غيره: نُلت أنول من العطية، من الواو والنيلُ من الياء، تقول: نِلته فأنا نائل، أي أدركته. { وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِياً } العرب تقول: وادٍ وأودية، على غير قياس. قال النحاس: ولا يُعرف فيما علمت فاعل وأفعِلة سواه، والقياس أن يجمع ووادِي فٱستثقلوا الجمع بين واوين وهم قد يستثقلون واحدة، حتى قالوا: أُقِّتَتْ في وُقِّتَت. وحكى الخليل وسيبويه في تصغير واصل اسم رجل أو يصل فلا يقولون غيره. وحكى الفرّاء في جمع واد أوداء. قلت: وقد جمع أوداه قال جرير:
عرفت ببُرْقَة الأوداهِ رَسْماً   مُحيلاً طال عَهْدُك مِنَ رُسومِ
{ إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ } قال ٱبن عباس: بكل روعة تنالهم في سبيل الله سبعون ألف حسنة. وفي الصحيح: " الخيل ثلاثة ـ وفيه ـ وأما التي هي له أجر فرجل ربطها في سبيل الله لأهل الإسلام في مَرْج أو روضة فما أكلت من ذلك المرج أو الروضة إلا كُتب له عدد ما أكلت حسنات وكتب له عدد أرواثها وأبوالها حسنات "

السابقالتالي
2 3