الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلسَّابِقُونَ ٱلأَوَّلُونَ مِنَ ٱلْمُهَاجِرِينَ وَٱلأَنْصَارِ وَٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً ذٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ }

فيه سبع مسائل: الأُولى ـ لما ذكر جل وعز أصناف الأعراب ذكر المهاجرين والأنصار، وبين أن منهم السابقين إلى الهجرة وأن منهم التابعين، وأثنى عليهم. وقد ٱختلف في عدد طبقاتهم وأصنافهم. ونحن نذكر من ذلك طرفاً نبيّن الغرض فيه إن شاء الله تعالى. وروى عمر بن الخطاب أنه قرأ «والأنصارُ» رفعا عطفاً على السابقين. قال الأخفش: الخفض في الأنصار الوجه لأن السابقين منهما. والأنصار ٱسم إسلامي. قيل لأنس بن مالك: أرأيت قول الناس لكم: الأنصار، ٱسم سماكم الله به أم كنتم تُدْعَوْنَ به في الجاهلية؟ قال: بل ٱسم سمانا الله به في القرآن ذكره أبو عمر في الإستذكار. الثانية ـ نص القرآن على تفضيل السابقين الأوّلين من المهاجرين والأنصار وهم الذين صلوا إلى القبلتين في قول سعيد بن المسيّب وطائفة. وفي قول أصحاب الشافعيّ هم الذين شهدوا بيعة الرضوان، وهي بيعة الحُدَيْبِيَة وقاله الشعبيّ. وعن محمد بن كعب وعطاء بن يسار: هم أهل بدر. وٱتفقوا على أن من هاجر قبل تحويل القبلة فهو من المهاجرين الأوّلين من غير خلاف بينهم. وأما أفضلهم وهي: الثالثة ـ فقال أبو منصور البغداديّ التميمي: أصحابنا مجمعون على أن أفضلهم الخلفاء الأربعة، ثم الستة الباقون إلى تمام العشرة، ثم البدريون ثم أصحاب أُحُد ثم أهل بيعة الرضوان بالحُدَيْبِيَة. الرابعة ـ وأما أوّلهم إسلاماً فروى مجالد عن الشعبي قال: سألت ٱبن عباس مَن أوّل الناس إسلاماً؟ قال أبو بكر، أو ما سمعت قول حسان:
إذا تذكّرتَ شَجْواً من أخي ثقة   فاذكر أخاك أبا بكر بما فعلاَ
خيرَ البرية أتقاها وأعدلها   بعد النبيّ وأوفاها بما حَملاَ
الثانِيَ التالِيَ المحمودَ مشهدُه   وأوّلَ الناس منهم صدّق الرسلاَ
وذكر أبو الفرج الجَوْزِي عن يوسف بن يعقوب بن الماجشون أنه قال: أدركت أبي وشَيخنا محمد بن المنكدر وربيعةَ بن أبي عبد الرحمن وصالح بن كَيْسان وسعد بن إبراهيم وعثمان بن محمد الأخْنَسِيّ وهم لا يشكّون أن أوّل القوم إسلاماً أبو بكر وهو قول ٱبن عباس وحسّان وأسماء بنت أبي بكر، وبه قال إبراهيم النَّخَعِيّ. وقيل: أوّل من أسلم عليّ رُوي ذلك عن زيد بن أرْقم وأبي ذرّ والمِقْداد وغيرهم. قال الحاكم أبو عبد الله: لا أعلم خلافاً بين أصحاب التواريخ أن عليّاً أوّلهم إسلاماً. وقيل: أوّل من أسلم زيد بن حارثة. وذكر مَعْمَر نحو ذلك عن الزُّهْرِيّ. وهو قول سليمان بن يَسار وعروة بن الزبير وعمران بن أبي أنس. وقيل: أول من أسلم خديجة أُم المؤمنين روي ذلك من وجوه عن الزهري، وهو قول قتادة ومحمد بن إسحاق بن يَسار وجماعة، وروي أيضاً عن ٱبن عباس.

السابقالتالي
2 3 4