الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ بَرَآءَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى ٱلَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ }

فيه خمس مسائل: الأُولى ـ في أسمائها. قال سعيد بن جُبير: سألت ٱبن عباس رضي الله عنه عن سورة براءة فقال: تلك الفاضحة، ما زال ينزل: ومنهم ومنهم، حتى خفنا ألاّ تدع أحداً. قال القُشيرِيّ أبو نصر عبد الرحيم: هذه السورة نزلت في غزوة تَبُوك، ونزلت بعدها. وفي أوّلها نبذُ عهودِ الكفار إليهم. وفي السورة كشف أسرار المنافقين. وتسمَّى الفاضحة والبُحوث لأنها تبحث عن أسرار المنافقين. وتسمَّى المبعثرة والبعثرة: البحث. الثانية ـ وٱختلف العلماء في سبب سقوط البسملة من أوّل هذه السورة على أقوال خمسة: الأوّل ـ أنه قيل كان من شأن العرب في زمانها في الجاهلية، إذا كان بينهم وبين قوم عهد فإذا أرادوا نقضه كتبوا إليهم كتاباً ولم يكتبوا فيه بسملة فلما نزلت سورة براءة بنقض العهد الذي كان بين النبيّ صلى الله عليه وسلم والمشركين بعث بها النبيّ صلى الله عليه وسلم عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه فقرأها عليهم في الموسم، ولم يُبسمل في ذلك على ما جرت به عادتهم في نقض العهد من ترك البسملة. وقول ثان ـ روى النَّسائيّ قال حدّثنا أحمد قال حدّثنا محمد ابن المثَنَّى عن يحيى بن سعيد قال حدّثنا عوف قال حدّثنا يزيد الرّقَاشي قال قال لنا ٱبن عباس: قلت لعثمان ما حملكم إلى أن عمدتم إلى «الأنفال» وهي من المثاني، وإلى «براءة» وهي من المِئين فقرنتم بينهما، ولم تكتبوا سطر بسم الله الرحمن الرحيم، ووضعتموها في السبع الطول فما حملكم على ذلك؟ قال عثمان: " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا نزل عليه الشيء يدعو بعض من يكتب عنده فيقول: «ضعوا هذا في السورة التي فيها كذا وكذا». وتنزل عليه الآيات فيقول: «ضعوا هذه الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا». وكانت «الأنفال» من أوائل ما أنزل، و «براءة» من آخر القرآن، وكانت قصتها شبيهة بقصتها، وقُبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبيّن لنا أنها منها فظننت أنها منها فمن ثمّ قرنت بينهما ولم أكتب بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم " وخرّجه أبو عيسى الترمذِيّ وقال: هذا حديث حَسَن. وقول ثالث ـ رُوي عن عثمان أيضاً. وقال مالك فيما رواه ٱبن وهب وابن القاسم وابن عبد الحكم: إنه لما سقط أوّلها سقط بسم الله الرحمن الرحيم معه. ورُوي ذلك عن ٱبن عِجلان أنه بلغه أن سورة «براءة» كانت تعدل البقرة أو قربها، فذهب منها، فلذلك لم يكتب بينهما بسم الله الرحمن الرحيم. وقال سعيد بن جُبير: كانت مثلَ سورة البقرة. وقول رابع ـ قاله خارجة وأبو عِصمة وغيرهما.

السابقالتالي
2