الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ طَغَوْاْ فِي ٱلْبِلاَدِ } * { فَأَكْثَرُواْ فِيهَا ٱلْفَسَادَ } * { فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ }

قوله تعالى: { ٱلَّذِينَ طَغَوْاْ فِي ٱلْبِلاَدِ } يعني عاداً وثموداً وفرعون «طَغَوْا» أي تمرّدوا وعَتَوْا وتجاوزوا القدر في الظلم والعُدوان. { فَأَكْثَرُواْ فِيهَا ٱلْفَسَادَ } أي الجَوْر والأذى و { ٱلَّذِينَ طَغَوْاْ } أحسن الوجوه فيه أن يكون في محل النصب على الذمّ. ويجوز أن يكون مرفوعاً على: هم الذين طغوا، أو مجروراً على وصف المذكورين: عادٍ، وثمودٍ، وفرعونَ. { فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ } أي أفرغ عليهم وألقَى يقال: صبّ على فلان خِلعة، أي ألقاها عليه. وقال النابغة:
فَصبّ عليه الله أحْسَنَ صَنْعِه   وكان له بين البرِية ناصرا
{ سَوْطَ عَذَابٍ } أي نصِيب عذاب. ويقال: شِدّته لأن السوط كان عندهم نهاية ما يُعَذَّب به. قال الشاعر:
ألم تر أن الله أظهرَ دِينه   وصبَّ على الكفار سَوْطَ عَذابِ
وقال الفرّاء: وهي كلمة تقولها العرب لكل نوع من أنواع العذاب. وأصل ذلك أن السوط هو عذابهم الذي يُعذِّبون به، فجرى لكل عذاب إذ كان فيه عندهم غاية العذاب. وقيل: معناه عذاب يخالط اللحم والدم من قولهم: ساطه يَسوطه سَوْطاً أي خلطه، فهو سائط. فالسوط: خلط الشيء بعضِه ببعض ومنه سمي المِسْواط. وسَاطَهُ أي خَلَطه، فهو سائط، وأكثر ذلك يقال: سَوَّط فلان أموره. قال:
فَسُطْها ذَمِيمَ الرأْيِ غَير مُوَفَّقٍ   فلست على تَسوِيطها بمُعانِ
قال أبو زيد: يقال أموالهم سَوِيطة بينهم أي مختلطة. حكاه عنه يعقوب. وقال الزجاج: أي جعل سوطَهم الذي ضربهم به العذاب. يقال: ساط دابته يَسُوطها أي ضربها بسوطه. وعن عمرو بن عُبيد: كان الحسن إذا أتى على هذه الآية قال: إن عند الله أسواطاً كثيرة، فأخذهم بسوط منها. وقال قتادة: كل شيء عذب الله تعالى به فهو سوط عذاب.