الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِن ضَرِيعٍ }

قوله تعالى: { لَّيْسَ لَهُمْ } أي لأهل النار. { طَعَامٌ إِلاَّ مِن ضَرِيعٍ } لما ذكر شرابهم ذكر طعامهم. قال عكرمة ومجاهد: الضَّرِيع: نبت ذو شوك لاصق بالأرض، تسميه قريش الشِّبْرِق إذا كان رطباً، فإذا يبِس فهو الضريع، لا تَقْرَبُه دابة ولا بهيمة ولا ترعاه وهو سُمٌّ قاتل، وهو أخبث الطعام وأشنعه على هذا عامّة المفسرين. إلا أن الضحاك روى عن ابن عباس قال: هو شيء يَرْمِي به البحر، يسمَّى الضَّريعَ، من أقوات الأنعام لا الناس، فإذا وقعت فيه الإبل لم تشبع، وهلكت هُزْلاً. والصحيح ما قاله الجمهور: أنه نبت. قال أبو ذُؤيب:
رَعَى الشِّبرِقَ الريَّانَ حتى إذا ذَوَى   وعاد ضّريعاً بانَ منه النَّحائصُ
وقال الهُذليّ وذكر إبلاً وسوء مرعاها:
وحُبِسْنَ في هَزْمِ الضرِيع فكلُّها   حَدْباءُ دامِيةُ اليدين حَرُودُ
وقال الخليل: الضريع: نبات أخضر مُنتن الريح، يرمي به البحر. وقال الوالبيّ عن ابن عباس: هو شجر من نار، ولو كانت في الدنيا لأحرقت الأرض وما عليها. وقال سعيد بن جُبير: هو الحجارة، وقاله عكرمة. والأظهر أنه شجر ذو شوك حَسْب ما هو في الدنيا. وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الضريع: شيء يكون في النار، يشبه الشوك، أشدّ مرارة من الصبرِ، وأنتن من الجيفة، وأحر من النار، سماه الله ضريعاً " وقال خالد بن زياد: سمعت المتوكل بن حمدان يسأل عن هذه الآية { لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِن ضَرِيعٍ } قال: بلغني أن الضريع شجرة من نار جهنم، حَمْلها القيح والدم، أشدّ مرارة من الصَّبرِ، فذلك طعامهم. وقال الحسن: هو بعض ما أخفاه الله من العذاب. وقال ابن كيسان: هو طعام يَضْرعون عنده ويذِلون، ويتضرعون منه إلى الله تعالى، طلباً للخلاص منه فسمي بذلك، لأن آكله يضرع في أن يُعْفَى منه، لكراهته وخشونته. قال أبو جعفر النحاس: قد يكون مشتقاً من الضارع، وهو الذليل أي ذو ضراعة، أي من شرِبه ذليل تلحقه ضراعة. وعن الحسن أيضاً: هو الزُّقوم. وقيل: هو وادٍ في جهنم. فالله أعلم. وقد قال الله تعالى في موضع آخر:فَلَيْسَ لَهُ ٱلْيَوْمَ هَا هُنَا حَمِيمٌ * وَلاَ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ } [الحاقة: 35 ـ 36]. وقال هنا: «إِلا مِن ضرِيع» وهو غير الغِسلِين. ووجه الجمع أن النار دَرَكات فمنهم مَنْ طعامه الزُّقوم، ومنهم من طعامه الغِسلين، ومنهم من طعامه الضريع، ومنهم من شرابه الحميم، ومنهم من شرابه الصّديد. قال الكلبيّ: الضريع في درجة ليس فيها غيره، والزقوم في درجة أخرى. ويجوز أن تُحْمل الآيتان على حالتين كما قال:يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ } [الرحمن: 44]. القُتَبيّ: ويجوز أن يكون الضريع وشجرة الزقوم نَبتين من النار، أو من جوهر لا تأكله النار.

السابقالتالي
2