الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ تَصْلَىٰ نَاراً حَامِيَةً }

أي يصيبها صِلاؤها وحرّها. { حَامِيَةً } شديدة الحرّ أي قد أُوقدت وأُحْميت المدة الطويلة. ومنه حَمِي النهار بالكسر، وحمِي التنور حَمْياً فيهما أي اشتدّ حرّه. وحكى الكِسائيّ: اشتدّ حَمْيُ الشمس وحَمْوِها: بمعنى. وقرأ أبو عمرو وأبو بكر ويعقوب «تُصْلَى» بضم التاء. الباقون بفتحها. وقرىء «تُصَلَّى» بالتشديد. وقد تقدم القول فيها فيإِذَا ٱلسَّمَآءُ ٱنشَقَّتْ } [الإنشقاق: 1]. الماورديّ: فإن قيل فما معنى وصفها بالحَمْى، وهي لا تكون إلا حامية، وهو أقل أحوالها، فما وجه المبالغة بهذه الصفة الناقصة؟ قيل: قد اختلف في المراد بالحامية هاهنا على أربعة أوجه: أحدها: أن المراد بذلك أنها دائمة الحَمْى، ليست كنار الدنيا التي ينقطع حَمْيها بانطفائها. الثاني: أن المراد بالحامية أنها حِمًى من ارتكاب المحظورات، وانتهاك المحارم كما قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: " إن لكل ملِك حِمًى، وإن حِمى الله محارمه. ومن يرتع حول الحِمَى يُوشِك أن يقع فيه " الثالث: أنها تحمي نفسها عن أن تطاق ملامستها، أو ترام مُماسَتها كما يحمِي الأسد عَرِينه ومثله قول النابغة:
تعدو الذئاب على من لا كلاب له   وتتقِي صَولَة المستأسِدِ الحامِي
الرابع: أنها حامية حِمَى غيظ وغضب مبالغة في شدّة الانتقام. ولم يرد حِمَى جِرْم وذات كما يقال: قد حِميَ فلان: إذا اغتاظ وغضب عند إرادة الانتقام. وقد بين الله تعالى بقوله هذا المعنى فقال:تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الغَيْظِ } [الملك: 8].