الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ } * { وَذَكَرَ ٱسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّىٰ }

فيه ثلاث مسائل: الأولى: قوله تعالى: { قَدْ أَفْلَحَ } أي قد صادف البقاء في الجنة أي من تَطَهَّر من الشرك بإيمان قاله ابن عباس وعطاء وعكرمة. وقال الحسن والربيع: من كان عمله زاكياً نامِياً. وقال مَعْمر عن قتادة: «تزَكَّى» قام بعمل صالح. وعنه وعن عطاء وأبي العالية: نزلت في صدقة الفِطر. وعن ابن سِيرينَ { قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ * وَذَكَرَ ٱسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّىٰ }. قال: خرج فصلَّى بعد ما أدّى. وقال عكرمة: كان الرجل يقول أقدّم زكاتي بين يدي صلاتي. فقال سفيان: قال الله تعالى: { قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ * وَذَكَرَ ٱسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّىٰ } وروي عن أبي سعيد الخُدْرِيّ وابن عمر: أن ذلك في صدقة الفطر، وصلاة العيد. وكذلك قال أبو العالية، وقال: إن أهل المدينة لا يرون صدقة أفضل منها، ومن سِقاية الماء. وروى كَثير بن عبد الله عن أبيه عن جدّه، " عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: { قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ } قال:«أخرج زكاة الفطر»، { وَذَكَرَ ٱسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّىٰ } قال: «صلاة العيد» " وقال ابن عباس والضحاك: { وَذَكَرَ ٱسْمَ رَبِّهِ } في طريق المصلَّى { فَصَلَّىٰ } صلاة العيد. وقيل: المراد بالآية زكاة الأموال كلها قاله أبو الأحوص وعطاء. وروى ابن جُرَيج قال: قلت لعطاء: { قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ } للفطر؟ قال: هي للصدقات كلها. وقيل: هي زكاة الأعمال، لا زكاة الأموال أي تطهر في أعماله من الرياء والتقصير لأن الأكثر أن يقال في المال: زَكَّى، لا تَزَكَّى. وروى جابر بن عبد الله قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " { قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ } أي من شهد أَنْ لا إلٰه إلاَّ الله، وخَلع الأندادَ، وشهد أني رسولُ الله " وعن ابن عباس { تَزَكَّىٰ } قال: لا إلٰه إلا الله. وروى عنه عطاء قال: " نزلت في عثمان بن عفان رضي الله عنه. قال: كان بالمدينة منافق كانت له نخلة بالمدينة، مائلة في دار رجل من الأنصار، إذا هبت الرياح أسقطت البُسْرَ والرطبَ إلى دار الأنصاريّ، فيأكل هو وعياله، فخاصمه المنافق فشكا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسل إلى المنافق وهو لا يعلم نفاقه، فقال: «إن أخاك الأنصاريّ ذكر أن بُسْرك ورُطَبك يقع إلى منزله، فيأكل هو وعياله، فهل لك أن أعطيك نخلة في الجنة بدلها؟» فقال: أبيع عاجلاً بآجلٰ لا أفعل. فذكروا أن عثمان بن عفان أعطاه حائطاً من نخل بدل نخلته ففيه نزلت «قد أفلح من تزكى» " ونزلت في المنافق { وَيَتَجَنَّبُهَا ٱلأَشْقَى }. وذكر الضحاك أنها نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه.

السابقالتالي
2