الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُكَذِّبُونَ } * { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ } * { فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } * { إِلاَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ }

قوله تعالى: { بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُكَذِّبُونَ } محمداً صلى الله عليه وسلم وما جاء به. وقال مقاتل: نزلتْ في بني عمرو بن عُمَير وكانوا أربعة، فأسلم ٱثنان منهم. وقيل: هي في جميع الكفار. { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ } أي بما يضمرونه في أنفسهم من التكذيب. كذا رَوي الضحاك عن ٱبن عباس. وقال مجاهد: يكتمُون من أفعالهم. ٱبن زيد: يجمعون من الأعمال الصالحة والسيئة مأخوذ من الوِعاء الذي يَجْمع ما فيه يقال: أوعيت الزاد والمتاع: إذا جعلته في الوِعاء قال الشاعر:
الخير أبقى وإِن طال الزمانُ بِهِ   والشرُّ أَخبث ما أوعيت مِن زادِ
ووعاه أي حفظه تقول: وَعَيْتُ الحديث أعِيهِ وَعياً، وأذُنٌ واعِية. وقد تقدم. { فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } أي مُوجع في جهنم على تكذيبهم. أي ٱجعل ذلك بمنزلة البشارة. { إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } ٱستثناء منقطع، كأنه قال: لكن الذين صَدَّقوا بشهادة أن لا إله إلا الله وأنّ محمداً رسول الله، وعملوا الصالحات، أي أدّوا الفرائض المفروضة عليهم { لَهُمْ أَجْرٌ } أي ثواب { غَيْرُ مَمْنُونٍ } أي غير منقوص ولا مقطوع يقال: مَنَنْتُ الحبل: إذا قطعته. وقد تقدم. وسأل نافع بن الأزرق ٱبن عباس عن قوله «لهم أجر غير ممنونٍ» فقال: غير مقطوع. فقال: هل تعرف ذلك العرب؟ قال: نعم قد عرفه أخو يُشْكُرَ حيث يقول:
فترى خَلْفَهُنَّ مِن سُرْعةِ الرجْـ   ـعِ مَنيِناً كأَنَّهُ أَهباءُ
قال المبرد: المنين: الغبار لأنها تقطعه وراءها. وكل ضعيف منين وممنون. وقيل: { غَيْرُ مَمْنُونٍ } لا يُمنّ عليهم به. وذكر ناس من أهل العلم أن قوله «إِلا الذِين آمنوا وعمِلوا الصالِحاتِ» ليس ٱستثناء، وإنما هو بمعنى الواو، كأنه قال: والذين آمنوا. وقد مضى في «البقرة» القول فيه والحمد لله. تمت سورة الإنشقاق.